رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مفتي الجمهورية: الإسلام يدعو إلى التسامح والاحترام المتبادل بين الأديان لتحقيق الوحدة بين أبناء الوطن

26-8-2025 | 20:04


مفتي الجمهورية: الإسلام يدعو إلى التسامح والاحترام المتبادل بين الأديان لتحقيق الوحدة بين أبناء الوط

أكد فضيلة أ.د نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، أن الوسطية في الإسلام تتجلى في كثير من المعاني التي دعا إليها الإسلام، وتظهر جلية في علاقة الإنسان بخالقه سبحانه وتعالى، وعلاقته بأخيه الإنسان وعلاقته مع سائر المخلوقات والبيئة التي يعيش فيها، وقد كان الاهتمام خاصاً في بناء الفرد والمجتمع تربوياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وروحياً وأخلاقياً على الوسطية والاعتدال والتوازن.

جاء ذلك خلال المحاضرة العلمية التي ألقاها فضيلته بجامعة الأمير سونغكلا جنوبي مملكة تايلاند تحت عنوان "الوسطية في مجتمع متنوع" على هامش زيارة فضيلته الرسمية للبلاد، بحضور، تاناوات سيريكول، سفير مملكة تايلاند لدى القاهرة، وباتيماه صدي يامو، محافظة بتتاني، والأستاذ الدكتور أتشاي أويانانتسانت، نائب رئيس الجامعة، والأستاذ الدكتور محمد رافلي واهما، عميد كلية العلوم الإسلامية بالجامعة.

وأضاف فضيلته أن مظاهر الوسطية في الإسلام كثيرة ومتنوعة، ومن أهمها الوسطية في العبادة، فمن ينظر إلى العبادة في الإسلام يجد أنها تتسم بالوسطية والاعتدال، وأنها بعيدة كل البعد عن الغلو، فلا إفراط فيها ولا تفريط، وقد جاء التوسط في العبادات الإسلامية منسجماً مع نعمة الله تعالى على هذه الأمة المحمدية بأن جعلها أمة وسطاً، فالعبادات في الإسلام ليست على حالة واحدة أو وقت واحد وإنما متنوعة وفي أوقات مختلفة حتى تكون ميسرة على الجميع.

وأضاف أن الإسلام يرفض الغلو في العبادات، لأنها تؤدي بالمسلم إلى التهلكة، والإسلام جاء ليحارب كل ما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمسلم، موضحا أن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من الغلو في العبادات.

وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم طبق الوسطية في العبادة، متابعا أن الشريعة الإسلامية مبناها على اليسر ورفع الحرج والتخفيف والرحمة والسماحة.

وقال إن من المظاهر أيضا، الوسطية في التعامل مع الآخرين، فالوسطيّة تعني أيضاً الاعتراف بالحرية للآخرين، ولا سيما الحريّة الدينية المشروعة في الإسلام بل إن الإسلام يأمرنا باحترام المعتقدات الدينية للآخرين، فالإسلام دين يدعو إلى التسامح والاحترام المتبادل بين الأديان الذي يؤدي إلى زرع الحب والاحترام في قلوب الناس جميعا، مما يحقق الوحدة بين أبناء الوطن الواحد.

وأضاف أنه من مظاهر الوسطية في الدين الإسلامي أمر بالتزام العدل مع الجميع حتى مع المخالفين، حيث بني الإسلام علاقة متوازنة بين المسلمين وغيرهم من حيث الحقوق والواجبات؛ وكذلك الوسطية في الدعوة، فالوسطية في الإسلام تعني كذلك التزام المنهج الوسطي في الدعوة إليه، لأن الهدف من هذا الدين هو هداية الناس أجمعين دون أن تقتصر الدعوة على جنس بذاته، أو قوم بذاتهم، أو مكان معين؛ فهي موجهة إلى الناس كافة.

وأشار إلى الوسطية في الحياة، باعتبارها من المظاهر أيضا، فالوسطيّة تعني أيضاً الجمع بين العمل للدنيا وإعمارها وتنميتها والعمل لللآخرة كذلك، لأنّ العمل الصحيح يكون للدنيا واللآخرة معا، مؤكدا أنه لا يمكن أن نحكم على الإسلام بالتشدد من خلال تصرفات بعض المنتسبين إليه، لأن منهج الشرع الشريف واضح في التزام التيسير والوسطية، فمبادئ الإسلام وأصوله قائمة على ما يحفظ السلم والسلام العالمي، ويقيم العدل والأمن في العالم أجمع، وبين أبناء البشر بلا تفرقة أو تمييز، ويوفق بين حاجاتهم وواجباتهم، ويكفل لهم الحقوق الإنسانية التي تحفظ النسل البشري والعقل الإنساني، ومقومات الحياة المادية والاجتماعية.

وأشار إلى أن هذا الفكر الوسطي المعاصر المطلوب ينتهي إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من المنهج الوسط الذي وازن بين الفرد والمجتمع في الحقوق والواجبات بلا إفراط ولا تفريط وأقام على هذا النهج الأمة الوسط التي كانت خير أمة أخرجت للناس.

وأوضح فضيلة المفتي أن الحضارة الإسلامية قد انطلقت من تعاليم الدين الإسلامي، ومثلت أرقى حالات التسامح والتعايش الإيجابي بين الأمم والشعوب من مختلف الحضارات والثقافات والأديان والأجناس، ولا تزال هذه التعاليم الإسلامية قادرة على توجيه سلوك وتعامل المسلمين مع غيرهم في كل زمان ومكان، فالدين الإسلامي في مجمل أحكامه وتشريعاته دينٌ وسطي، يدعو إلى التسامح والاحترام المتبادل بين الأديان، مما يحقق الوحدة بين أبناء الوطن الواحد، مضيفا أن التسامح قد تجسد في تعاليم الإسلام، حيث رسم الإسلام أسس الحياة الجديدة في المجتمع بأسره، فأزال الفوارق بين الطبقات والطوائف، فجعل مقياس التفاضل هو العمل الصالح، وقوم الحياة الاقتصادية؛ فحرم جميع أشكال المعاملات الجائرة والظالمة، واهتم بالجوانب العقلية، وحث على إعمال العقل من خلال التفكر والتدبر، ولم يقف عند هذا الحد، بل تجاوز الاهتمام إلى تنظيم الحياة الاجتماعية، وتقوية الترابط الاجتماعي، والشعور بالانتماء، حتى تستقيم وتنتظم أحوال المجتمع الإسلامي.

وبين فضيلة المفتي أن للتسامح في الحضارة الإسلامية أيضا الكثير من المظاهر، ومن أهمها الاعتراف بالحرية للآخرين، ولا سيما الحرية الدينية المشروعة في الإسلام، بل إن الإسلام أمرنا باحترام المعتقدات الدينية للآخرين؛ فلقد أعطى الإسلام لكل إنسان الحرية في اختيار الدين الذي يعتقده ويؤمن به، دون إكراه أو إجبار، فلم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده أحدا باعتناق الإسلام قسرا، فالإسلام يعترف بصورة واضحة بوجود (الغير) المخالف في العقيدة، وحقه في الاعتقاد والتصور؛ إذ الأصل أن يختار الناس عقيدتهم بمحض إرادتهم، من غير إكراه مادي، أو ضغط معنوي.

وأكد أن الإسلام صان لغير المسلمين معابدهم، ورعى حرمة شعائرهم، بل جعل القرآن من أسباب الإذن في القتال حماية حرية العبادة، كما أكد على التزام العدل مع الجميع، حتى مع المخالفين؛ حيث بنى الإسلام علاقة متوازنة بين المسلمين وغيرهم، من حيث الحقوق والواجبات القائمة على التسامح، فلم يجعل الإسلام عدم دخولهم فيه سببا في ظلمهم أو خيانتهم، وفي تاريخ القضاء أمثلةٌ ووقائع كثيرةٌ تؤيد هذا الفهم الإسلامي، بعيدا عن التطرف، وأصحاب الأفكار المنحرفة، والأقوال المغلوطة.

وقال إن من المظاهر المحافظة على الدماء والأموال والأعراض، فمما لا شك فيه أن الأديان لا تأمر إلا بالخير والحق والصلاح، ولا تدعو إلا إلى البر والحب والرحمة والإحسان، ولا توصي إلا بالأمن والسلم والسلام، وما كانت يوما في حد ذاتها عائقا أمام التعايش والتعارف والتماسك والترابط.

وأضاف أن الإسلام حرم التعدي قولا أو فعلا، أو التعرض بأي أنواع الأذى للمسلمين أو غير المسلمين بغير حق، بل إن الإسلام أوعد وأغلظ في العقوبة لمن تعرض لهم بالأذى، وأمر بالتزام التسامح في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن الهدف من هذا الدين هو هداية الناس أجمعين، دون أن تقتصر الدعوة على جنس بذاته، أو قوم بذاتهم، أو مكان معين؛ فهي موجهةٌ إلى الناس كافة.

وأشار إلى المساواة؛ حيث أكدت الشريعة الإسلامية مساواة الناس جميعا عند الله عز وجل، حيث يعد الإسلام الاختلاف سنة كونية، وأن الاختلاف والتنوع مقبولٌ في الدين الإسلامي، كما أقرت الشريعة الإسلامية مشروعية الاختلاف والتنوع، كما تقتضي تلك المسألة المساواة بين الناس جميعا؛ في الحقوق والواجبات من أجل إنسانيتهم.

وقال إن الإسلام يحترم مبدأ الإنسانية، وعبر القرآن الكريم عن ذلك في عدة نصوص؛ فالإنسان في نظر الدين الإسلامي مكرمٌ من حيث كونه إنسانا.

وأوضح أنه من حيث التشريع لم يغفل الإسلام هذه الكرامة، فأمر -سبحانه وتعالى- بالإحسان في التعامل مع الإنسان، لكونه إنسانا.

وأضاف فضيلته أن الأمثلة والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، حتى جعلت كبار كتاب الغرب ومفكريه يشهدوا لهذا الدين بالتسامح مع الآخرين، كما قال (جوستاف لوبون)، حينما أعجب ببراعة وحسن سياسة خلفاء وسلاطين الدولة الإسلامية في معاملة المخالفين لدينهم قائلا : "كانوا يحترمون عقائد الشعوب وعرفها وعاداتهم، مكتفين بأخذهم في مقابل حمايتها جزية زهيدة تقل عما كانت تدفعه إلى ساداتهم السابقين من الضرائب، كما حافظوا على كنائس النصارى ولم يمسوها بسوء".

وقال إنه إذا حدث بعض التقصير، أو سوء الفهم للتسامح الإسلامي من بعض المسلمين، فلا يمكن أن نحكم على الإسلام بالتشدد، أو عدم التسامح من خلال تصرفات بعض المنتسبين إليه؛ لأن منهج الشرع الشريف واضحٌ في التزام التسامح والتيسير والوسطية، فمبادئ الإسلام وأصوله قائمةٌ على ما يحفظ السلم والسلام العالمي، ويقيم العدل والأمن في العالم أجمع، وبين أبناء البشر بلا تفرقة أو تمييز، ويوفق بين حاجاتهم وواجباتهم، ويكفل لهم الحقوق الإنسانية التي تحفظ النسل البشري والعقل الإنساني، ومقومات الحياة المادية والاجتماعية.

وأشار إلى أن هذا الفكر الوسطي المعاصر المطلوب ينتهي إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من المنهج الوسط الذي وازن بين الفرد والمجتمع في الحقوق والواجبات، بلا إفراط ولا تفريط، وأقام على هذا النهج الأمة الوسط التي كانت خير أمة أخرجت للناس.

وشدَّد فضيلة المفتي على أن القضية الفلسطينية ستظل قضية العرب والمسلمين المركزية، وأن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني هو التزام ديني وأخلاقي وإنساني، مؤكدًا على الموقف المصري الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، باعتبار ذلك تطبيقًا لمبادئ العدل التي أمر بها الإسلام وركيزة أساسية لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم.

من جانبه، أعرب الأستاذ الدكتور أتشاي أويانانتسانت، نائب رئيس الجامعة، عن بالغ تقديره لزيارة فضيلة مفتي الجمهورية، مشيرًا إلى أنها تمثل دعمًا علميًّا ومعنويًّا مهمًّا للجامعة وأساتذتها وطلابها، كما تعكس في الوقت ذاته مكانة مصر الدينية والعلمية الراسخة، ودورها الرائد في نشر قيم الوسطية وبناء جسور التواصل الحضاري والمعرفي بين الشعوب.

وتأتي زيارة فضيلة مفتي الجمهورية إلى مملكة تايلاند في إطار تعزيز جسور التواصل بين مصر والعالم الإسلامي، وترسيخ دور دار الإفتاء المصرية في نشر قيم الإسلام السمحة، والتواصل الفعال مع المؤسسات الدينية والأكاديمية في مختلف بقاع الأرض.