رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الهـلال.. 133 عاما بدرا مكتملا في سماء الثقافة

1-9-2025 | 12:38


طه فرغلي

طه فرغلي,

شروق وغروب.. شمس وقمر وليل ونهار، تتوالى الأيام وتتعاقب الفصول، تمر السنوات، ويبقي هلالنا منيرا مضيئا  كيوم ولد في سماء القاهرة المحروسة سبتمبر 1892.

نحتفي في شهرنا هذا بمرور 133 عاما على العدد الأول من مجلة الهلال العريقة، 1596 شهرا ومجلتنا منتظمة الصدور تنير دروب الثقافة ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي بأسره.

حق لنا أن نحتفي ونحتفل بسنة جديدة في عمر الهلال المديد السعيد، ومن مثلنا يملك هلالا يباهي به بين الأمم، مجلة عفية فتية شابة رغم تخطي عمرها قرنا وثلاثة وثلاثين عاما من عمر الزمان، شاب الزمان وهلالنا لا يزال شابا، لم تشب صفحاته الناصعة، ولم تكتب سطوره سوى ما نفخر به.

الهلال أمة قائمة بذاتها، ليس كمثله صحيفة ولا مجلة، نبع رقراق صاف، نهر يجري بالخير، يتدفق ويفيض بالمعرفة على المجتمع المصري.

الهلال علامة مسجلة في كل بيت مصري، شب عليه الجدود والآباء، ولا يزال الأبناء ينهلون من فيض جوده المعرفي، زادا ثقافيا سائغا يقدم السمين ولا يقترب من الغث، لم يكن الهلال يوما زبدا يذهب جفاء، ولكنه على مدار عمره ينفع الناس ويمكث في الأرض، حتى اللحظة التي أكتب فيها مقالي هذا يبقى الهلال وسط المحبين بدرا يتطلعون إليه شوقا، وينتظرون رؤيته مطلع كل شهر.

المصريون من حقهم أن يباهوا بالهلال الشرق والغرب، دول قامت وأخرى اضمحلت، وهلالنا أقدم من هذه وتلك، راسخ رسوخ الجبال الشوامخ،  كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

لم يقبل الهلال يوما الدنية في رسالته السامية، ولم يحد عن منهجه وصراطه المستقيم، أمينا على الثقافة المصرية، صفحاته مفتوحة أمام جميع المثقفين على اختلاف انتماءاتهم، تظلهم سماء الوطن الرحيب، وعشق تراب مصر.

رسالة التنوير، ومحاربة التطرف ومواجهة دعاة التشدد كانت المهمة المقدسة التي حملها المؤسس الرائد جرجي زيدان والتابعون له بإحسان على مر الزمان ولا يزال ذلك هو الهدف الأسمى الذي يشغل القائمين على الهلال العريق.

الهلال كلمة صدق ورسالة حق، عاشت وستعيش ما دامت الكلمة ونورها تهدي السبيل وترشد الحيارى إلى الطريق المستقيم، لذلك كانت ولا تزال قبلة المثقفين، شهادة الميلاد الحقيقة إلى دنيا الثقافة، كل مثقف لابد أن يمر من باب الهلال.

لم تتأخر الهلال يوما عن الصدور، لا يعلن الشهر الرحيل إلا والمجلة وحبرها الطازج بين يدي القارئ، وشهر يسلم شهرا والقارئ الحفيد كما جده منذ 133 عاما ينتظر الهلال متلهفا مشتاقا إلى صوت المعرفة والعلم والثقافة، يتطلع إلى أقلام كبار الكتاب والأدباء والمثقفين الذين حفلت بهم صفحات الهلال منذ صدور عددها الأول.

الهلال ليست مطبوعة عادية، ولا جملة عابرة في عمر الصحافة المصرية والعربية، بل هي شجرة سامقة، تاريخ تليد، وحاضر مجيد، ومستقبل مشرق، كل حرف وكل جملة كتبت على صفحاتها محفورة في الوجدان المصري شكلت هويته وصقلت شخصيته ودعمت تنوعه الثقافي، قادت الهلال التنوير وتبنت القضايا وفتحت الآفاق الرحبة للتفكير والنقاش والسجال الإيجابي والنقد البناء، كانت سباقة في الاهتمام بالشأن الوطني والقومي، فتحت صفحاتها أمام الموهوبين من الكتاب في كل مجالات الثقافة والمعرفة.

تصدرت الهلال الصفوف ورفعت راية الثقافة المصرية بل والعربية عالية، ومن المحيط إلى الخليج يبقى فضلها مشهودا على كل مثقف عربي، وتبقى هي الرائدة والأم لكل إصدار ثقافي عربي صدر بعد ذلك.

جرجي زيدان صاحب الهلال ومؤسسه كان سباقا في الإبداع، لم يكن كاتبا عاديا أو مجرد صحفي مثقف بل كان صاحب رسالة تنويرية، استطاع أن يجعل من مجلته جامعة ثقافية قبل أن تعرف مصر الجامعات بمعناها الحديث، أراد زيدان لهلاله أن يكون بدرا مكتملا جامعا لكل ألوان الثقافة والفنون، كان يخطط لإصدار الهلال ويرى أمامه المستقبل الزاهر لمولده السعيد الذي سيعمر طويلا، وسيكون شاهدا على مستقبل الثقافة المصرية والعربية وسجلا موثقا للحركة الثقافية  العربية.

واصل زيدان الليل بالنهار من أجل أن يصبح حلمه الذى حلم به وهو لا يزال في الشام حقيقة، سخر جهده كله وما اكتسبه في طريق رحلته الصعبة والطويلة في إبداع الهلال.

كان اختيار زيدان متفردا سابقا لعصره، لم يقحم نفسه في إصدار صحفي عادي، ولكنه ابتكر مفهوم الصحافة المتخصصة، وأصدر الهلال ليكون منارة للثقافة والإبداع المعرفي والتنوير، أدرك زيدان أن تشكيل الوعي هو الحل الأمثل لكل أزمات ومشكلات الأمة وأنه السبيل الحقيقي للنهضة والتقدم وبناء المستقبل.

غادر زيدان الشام بعد معاناة كبيرة، وحمل حلمه إلى مصر مدركا أن المحروسة ستسع حلمه وتمكنه من تحقيقه، وولد الهلال بدرا منيرا في ليلة التمام، وابتسمت الدنيا لزيدان وهو الذي عاش طفولته وصدر شبابه وسط ظروف صعبة كانت كفيلة أن تجعل منه شخصا بائسا يائسا، ولكن كافح صاحب الهلال حتى تحقق حلمه، وهل الهلال ينير الطريق لكل باحث عن الثقافة والمعرفة الرصينة الجادة.

ونحن نحتفي بمرور 133 عاما، نستمسك بالعروة الوثقى والصراط المستقيم الذي يسير عليه الهلال منذ عدده الأول، لا نحيد عن المنهج ولا نضل عن الطريق القويم، ليبقى الهلال مضيئا بدرا مكتملا.