رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«اترك عندَ الناسِ أطيبَ الأثر».. موضوع خطبة الجمعة

12-9-2025 | 10:09


اترك عندَ الناسِ أطيبَ الأثر .. موضوع خطبة الجمعة

تأتي خطبة صلاة الجمعة، اليوم، تحت عنوان: "اترك عندَ الناسِ أطيبَ الأثر"، حيث تستهدف التوعية بالمسئولية المشتركة للفرد والأسرة والمجتمع وأثر ذلك في بناء الإنسان.

وفيما يلي نص خطبة صلاة الجمعة:

الْحَمْدُ للهِ العَزِيزِ الْحَمِيد، القَوِيِّ المَجِيد، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً مَنْ نَطَقَ بِهَا فَهُوَ سَعِيد، سُبْحَانَهُ هَدَى العُقُولَ بِبَدَائِعِ حِكَمِه، وَوَسِعَ الخَلَائِقَ بِجَلَائِلِ نِعَمِهِ، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيهِ، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمُرْسَلِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:

فَإِنَّ الجَنَابَ المُعَظَّم صلى الله عليه وسلم قد تَرَكَ في الدُّنْيَا أَثَرًا لا تَمْحُوه السُّنُونُ، وَلَا تُذِيبُهُ الأَيَّامُ، فَلَا زَالَ العَالَمُ يَنْبَهِرُ بِأَخْلَاقِهِ العَلِيَّةِ، وَشَمَائِلِهِ المُصْطَفَوِيَّةِ، وَسِيرَتِهِ النَّدِيَّةِ؛ فَأَعْلَى اللَّهُ ذِكْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَأَبْقَى أَثَرَهُ، فَقَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ، وَجَعَلَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَاضِرَةً مَعَ كُلِّ نَفَسٍ وَلَمْحَةٍ، فَهُوَ رَحْمَةُ اللَّهِ البَاقِيَةُ إِلَى خَلْقِهِ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.

أيُّهَا المُكَرَّمُ، اعْلَمْ أَنَّكَ لَسْتَ مَسْئُولًا عَنْ نَفْسِكَ فَقَط، بَلْ مَسْئُولٌ عَنْ نَفْسِكَ وَأُسْرَتِكَ وَدِينِكَ وَوَطَنِكَ، فَاقْتَدِ بِالحَالِ النَّبَوِيِّ المُعَظَّم، كُنْ صَاحِبَ بَصْمَةٍ فِي حَيَاتِكَ، وَاجْتَهِدْ أَنْ يَبْقَى أَثَرُكَ وَيَمْتَدَّ، سَارِعْ إِلَى كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ تَزْرَعُ الأَمَلَ، وَسَابِقْ إِلَى صَدَقَةٍ خَالِصَةٍ تُغَيِّرُ حَيَاةً، وَابْتِسَامَةٍ حَانِيَةٍ تَجْبُرُ خَاطِرًا، اجْعَلْ مِنْ حَيَاتِكَ فُرْصَةً لِتَغْرِسَ بَذْرَةً، وَتَتْرُكَ نَفْعًا، وَتُسَطِّرَ حِكَايَةً لَا تَمْحُوهَا الأَيَّامُ وَلَا تُغَيِّبُهَا الأَزْمَانُ. وَاعْلَمْ أَنَّ اليَتِيمَ الَّذِي تَكْفُلُهُ، وَالكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ الَّتِي تَقُولُهَا، وَالقَلْبَ الَّذِي تَجْبُرُهُ، كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ جُهْدًا ضَائِعًا، إِنَّمَا هُوَ اسْتِثْمَارٌ فِي مَشْرُوعٍ عُنْوَانُهُ هَذَا البَيَانُ الإِلَهِيُّ: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾.

أيُّهَا النَّبِيلُ، انْظُرْ إِلَى هَذَا النَّمُوذَجِ الأَفْخَمِ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ آمَنَتْ أَنَّ الأَثَرَ الحَقِيقِيَّ هُوَ مَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَيَبْقَى بَعْدَ رَحِيلِ صَاحِبِهِ، فَتَرَكَتْ خَيْرًا لَا يَزَالُ يَرْوِي عَطَشَ المَلَايِينِ يَدْعُونَ لَهَا بِالخَيْرِ كُلَّمَا ارْتَوَتْ أَكْبَادُهُمْ، إِنَّهَا السَّيِّدَةُ زُبَيْدَةُ بِنْتُ جَعْفَرٍ، الَّتِي رَأَتْ بِعَيْنِ البَصِيرَةِ مَعَانَاةَ أَهْلِ مَكَّةَ وَحُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ الحَرَامِ مِنْ شُحِّ المِيَاهِ، فَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا الخَاصِّ بِسَخَاءٍ لَا مَثِيلَ لَهُ، وَوَجَّهَتِ المُهَنْدِسِينَ وَالعُمَّالَ لِشَقِّ الجِبَالِ، وَتَعْبِيدِ الطُّرُقِ، وَإِقَامَةِ القَنَوَاتِ المَائِيَّةِ الضَّخْمَةِ لِجَلْبِ المَاءِ مِنْ مَسَافَاتٍ بَعِيدَةٍ إِلَى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، حَتَّى سُمِّيَتْ هَذِهِ القَنَوَاتُ: «عَيْنَ زُبَيْدَةَ».

سَادَتِي الكِرَامُ، فَلْنَتَعَاهَدْ جَمِيعًا عَلَى أَنْ نَجْعَلَ مِنْ بُيُوتِنَا رِيَاضًا نَضِرَةً لِصِنَاعَةِ الإِنْسَانِ وَبِنَاءِ الحَضَارَةِ، اغْرِسُوا فِي قُلُوبِ أَوْلَادِكُمْ أَنَّ المُسْلِمَ لَا يَعِيشُ لِنَفْسِهِ فَقَط، بَلْ يَعِيشُ لِدِينِهِ وَوَطَنِهِ، ازْرَعُوا فِيهِمْ مُتْعَةَ العَطَاءِ، وَلَذَّةَ البَذْلِ، وَبَرَكَةَ نَشْرِ العِلْمِ، انْثُرُوا فِي نُفُوسِهِمْ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾، عَلِّمُوهُمْ هَدْيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم القَائِلَ: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».

أيها النبيل، اترك في الناس أطيب الأثر، واعمل بصدق، وأخلص نيتك، ولا تنتظر الثناء من أحد، ولا تسعَ لشهرة زائفة.

وكُن رجلًا إن أتَوا بعده * يقولون مرَّ وهذا الأثر

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:

فإن الانضباط في الطرق والشوارع من الآثار الطيبة التي يتركها الإنسانُ في مجتمعه الذي يعيش فيه، وهو عبادة وأمانة، ومسؤولية مشتركة بين أفراد المجتمع. أترضون أيها الكرام أن تتحول بعض طرقنا وشوارعنا إلى مسرح لحوادث مروعة، لا تفرق بين صغير وكبير، ولا بين بريء ومخطئ، نتيجة السرعة التي لا تعرف حدودًا، وقيادة المركبات في الاتجاه المعاكس التي لا تحترم روحًا، أو بسبب قيادة السيارات تحت تأثير المخدرات التي تذهب العقل والإدراك؟!

ألم يسمع هؤلاء المتهاونون بحقِّ الطريق قولَ الله جل جلاله: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)؟! كيف يُلقي بعض السائقين أنفسهم ومرتادي سياراتهم إلى التهلكة؟!

إنها ليست مجرد طرق، بل هي مرآة تعكس أخلاقنا، وتكشف عن مدى قربنا أو ابتعادنا عن القيم التي جاء بها ديننا الحنيف. أيها الكرام، تذكروا هذا التحذير النبوي: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

ولا تتركوا أولادكم عرضةً للسهر في الشوارع حتى ساعات متأخرة من الليل، فالشارع ليس ملعبًا ممهدًا، وليس مكانًا آمنًا لأطفالنا، ومن يترك فلذات كبده عرضةً لأخطار الشارع فقد قصَّرَ في أمانته التي ائتمنه الله عليها. فاتقوا الله في أولادكم، وكونوا لهم نعم العون والسند.

اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، وابسط فيها بساط الأمل والرزق والأمان.