في مثل هذا اليوم، 13 سبتمبر 1592، رحل عن العالم أحد أبرز مفكري عصر النهضة الفرنسية، ميشيل دي مونتين، الذي يُعد الأب الروحي لفن المقالة الحديثة، وصاحب تأثير عميق في الفكر الأوروبي.

من قصر مونتين إلى صفحات التاريخ
وُلد مونتين في 28 فبراير 1533 في منطقة أكيتاين جنوب غرب فرنسا، لعائلة ثرية ذات أصول تجارية، تلقى تعليمه الأولي باللغة اللاتينية منذ سن الثالثة، ثم درس الحقوق في باريس، وعُيّن لاحقًا عضوًا في برلمان مدينة بوردو، حيث تعرّف على الفيلسوف إتيان دو لا بوويسي، الذي شكّل صداقة مؤثرة في حياته الفكرية.

"المحاولات"... ميلاد نوع أدبي جديد
في عام 1571 ، اعتزل مونتين الحياة العامة وتفرغ للكتابة في مكتبة قصره، وهناك بدأ تأليف عمله الأشهر "المحاولات"، الذي نُشر لأول مرة عام 1580، لم يكن هذا الكتاب مجرد تأملات فلسفية، بل كان تجربة ذاتية صادق، مزج فيها بين السيرة الشخصية والحكمة الكلاسيكية، وطرح فيها أسئلة وجودية مثل: "ماذا أعرف؟" ، التي أصبحت شعارًا للشك المنهجي.
تميّز أسلوبه بالاستطراد والتنوع، وابتعد عن البناء المنطقي الصارم، ليقدّم نصوصًا مفتوحة على التأمل، تتناول موضوعات مثل الموت، الصداقة، التعليم، الطبيعة البشرية، والحرية الفكرية.
 

تأثيره في الفكر الغربي
أثّر مونتين في فلاسفة وكتّاب كبار مثل ديكارت، روسو، نيتشه، وإيمرسون، واعتُبر نموذجًا للكاتب الذي يكتب عن نفسه ليصل إلى جوهر الإنسان، وقد ساهم في ترسيخ فكرة أن الذات الفردية يمكن أن تكون موضوعًا فلسفيًا مشروعًا.
توفي مونتين في قصره عن عمر ناهز 59 عامًا، بعد أن قضى سنواته الأخيرة في مراجعة وتوسيع "المحاولات"، التي نُشرت طبعتها النهائية عام 1595.