في ذكرى رحيله.. حسين الشربيني الفنان الذي عاش بالفن ومات في خشوع
في مثل هذا اليوم من عام 2007، ودع الفن المصري أحد أعمدته، الفنان القدير حسين الشربيني، الذي رحل عن عالمنا أثناء تناوله الإفطار مع أسرته في أولى ليالي شهر رمضان المبارك، في لحظة امتزجت فيها الروحانية بالوداع الصامت، وفي ذكرى رحيله، تستحق مسيرته الفنية والإنسانية وقفة تأمل لما تركه من بصمة مميزة خالدة في وجدان جمهوره.
ولد حسين الشربيني في 16 نوفمبر 1935 بالقاهرة، وتعود أصوله إلى مدينة شربين بمحافظة الدقهلية، درس علم النفس والاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة وتخرج عام 1958، ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية بناء على نصيحة أستاذه بالجامعة والمشرف الفني وقتئذ الدكتور رشاد رشدي.
كان حلم الشربيني كما كان يقول، العمل في مهنة التدريس، إلا أنه فوجىء بقرار تعيينه في هيئة السكة الحديدية بمدينة أسيوط في صعيد مصر، ما دفعه إلى ترك العمل بعد يوم واحد فقط من استلامه، ليعود إلى القاهرة، حيث التحق بالعمل صحفيا في جريدة "الجمهورية"، ثم مذيعا في التلفزيون المصري عند افتتاحه مطلع الستينيات، قبل أن ينتقل إلى العمل الفني بين المسرح والسينما والتلفزيون.
قدم خلال مسيرته الفنية نحو 459 عملا، وكانت انطلاقته السينمائية مع فيلم "المارد" عام (1964)، ثم توالت مشاركاته في نحو 90 فيلما، من أبرزها: فيلم الجاسوس عام (1964)، الليالي الطويلة (1967)، سفاح النساء (1970)، لا عزاء للسيدات (1979)، السادة المرتشون (1983)، الرجل الذي عاش (1997)، وفيلم حارة البنات (2005).
أما على الشاشة الصغيرة فقدم أعمالا مميزة مثل: أحلام شحاتة عام (1972)، رحلة المليون (1984)، هند والدكتور نعمان (1984)، حلم العمر (2000)، عائلة الحاج متولي (2001) وأريد حلا (2005).. أما في المسرح فقد تألق في أعمال مميزة منها: وابور الطحين عام (1966)، الدنيا لما تضحك (1979)، فوازير المناسبات (1988)، وكان آخر أعماله في مسرحية الملك هو الملك عام (2006).
حصل الشربيني على لقب "فنان قدير" من المسرح الحديث، وكرمه فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، كما نال جائزتين سينمائيتين لأفضل ممثل دور ثان عن فيلمي "الرغبة" و"جري الوحوش" في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، بالإضافة إلى جائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة الـ12 للإذاعة والتلفزيون، وتم تكريمه أيضا في مهرجان ذكي طليمات.
وقد روى الشربيني بداياته في أحد اللقاءات التليفزيونية قائلا: "بمثل وأنا من أولى إبتدائي، وكان نفسي أمارس التمثيل كهاوي، وكان حلمي أبقى مدرس، وبعد عودتي للقاهرة، قريت في الجرنال، إن الفندق اللي كنت قاعد فيه في أسيوط وقع، فحمدت ربنا.. اشتغلت مدرس في مدرسة خاصة بمصر الجديدة، وملقتش نفسي وتركتها، وبعدها اتجهت للتمثيل".
في عام 2002، ابتعد عن الساحة الفنية بعد إصابته بكسر في مفصل القدم اليسرى، إثر اختلال توازنه أثناء استعداده لأداء الصلاة، كما كان يعاني من مضاعفات السكري والأطراف العصبية في قدمه اليمنى، وأمضى سنواته الأخيرة في منزله مع أسرته، متفرغا للعبادة والتقرب إلى الله.
تزوج الفنان حسين الشربيني مرة واحدة، ولديه ابنتان هما (نهى) و(سهى)، وحين سئل عن سبب ابتعادهما عن مجال الفن؟ أجاب: "لم يهتم بناتي بالفن ولم يستهوه أصلا، وأنا نفسي كنت أحاول دائما إبعادهم عنه.. مازحا: "كنت عايز أكون الممثل الوحيد والشهير في العيلة".
وفي الجمعة الأولى من رمضان عام 2007، جلس الشربيني إلى مائدة الإفطار مع أسرته، تناول بضع تمرات، وارتشف الماء، ثم استند إلى كرسيه، رافضا مساعدة أحد، وقاوم بهدوء، وتمتم بكلمات مسموعة بصعوبة، ثم أراح رأسه للخلف قليلا، ليفارق الحياة عن عمر ناهز 72 عاما، وشيعت جنازته يوم السبت 15 سبتمبر 2007 من مسجد رابعة العدوية بالقاهرة.
لم يكن حسين الشربيني مجرد ممثل ترك بصمة في السينما والدراما، بل كان إنسانا يضع الأخلاق فوق كل اعتبار، يرى أن الفن رسالة لا تؤدى إلا بالصدق والضمير، وبرحيله، لم تفقد الشاشة نجما فحسب، بل فقد الجمهور قدوة فنية وإنسانية ظلت أعماله وتصريحاته تعكس جوهره النقي، سيبقى حاضرا في الذاكرة، فنانا قديرا عاش مخلصا ورحل في سكينة، تاركا إرثا يخلد اسمه جيلا بعد جيل.