زيارة روبيو إلى إسرائيل.. بين هجمات الدوحة وضغوط وقف الحرب
وصل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، اليوم الأحد، إلى إسرائيل في زيارة تحمل دلالات مهمة، إذ تأتي عقب محاولة الاغتيال الإسرائيلية الفاشلة التي استهدفت قادة حركة "حماس" في العاصمة القطرية الدوحة، والتي ألقت بظلالها على محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة والوساطة الجارية بهذا الشأن.
ووفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، يبحث روبيو خلال زيارته أولويات واشنطن في الصراع بين إسرائيل وحركة "حماس"، إلى جانب قضايا أوسع نطاقًا تتعلق بأمن الشرق الأوسط.
وأكدت الخارجية أن الوزير سيشدد على الأهداف المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والمتمثلة في منع عودة "حماس" إلى قطاع غزة، وضمان الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، فضلًا عن دعم التحركات القانونية في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
وفيما لم تشر الخارجية الأمريكية إلى أن مباحثات الزيارة ستتناول ملف تهجير أهالي غزة، ذكرت القناة الإسرائيلية الـ12 أن هذا الموضوع سيكون مطروحًا للنقاش.
هجمات الدوحة ملف رئيسي
ويرى الدكتور أحمد العناني، خبير العلاقات الدولية، أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى إسرائيل لا تنفصل عن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت الأراضي القطرية، إذ تسعى واشنطن إلى الحفاظ على علاقاتها مع دول الخليج، ومنع تكرار مثل هذه الضربات، خاصة بعد أن ألمحت تل أبيب إلى إمكانية تكرارها مستقبلًا.
وأكد العناني، في حديث لـ"دار الهلال"، أن الولايات المتحدة تدرك خطورة هذه الاعتداءات على الاستثمارات الخليجية والمصالح المشتركة، التي شهدت تناميًا كبيرًا عقب الزيارة الأخيرة للرئيس دونالد ترامب إلى السعودية ثم الإمارات وقطر.
وأضاف: "ترامب رجل أعمال بالأساس، ويخشى ضياع هذه الاستثمارات، خصوصًا في ظل تلويح الدوحة بالتوجه نحو الصين وروسيا".
وأوضح خبير العلاقات الدولية أن الزيارة الأمريكية تحمل هدفين رئيسيين: الأول، الحيلولة دون تكرار الهجمات الإسرائيلية على قطر، والثاني، الدفع بطرح ترامب الأخير بشأن قطاع غزة، وهو الطرح الذي تواجهه إسرائيل بمحاولات متكررة لإفشاله.
وفي ما يتعلق بملف تهجير الفلسطينيين، شدّد العناني على أن واشنطن تركّز بالدرجة الأولى على تداعيات الضربات الإسرائيلية، لما قد تسببه من أضرار مباشرة على مصالح ترامب الاقتصادية والسياسية داخل الولايات المتحدة.
وقال: "ملف التهجير مدعوم أمريكيًا، لكنه يأتي في سياق منفصل، بينما يبقى الضغط الخليجي عنصرًا حاسمًا في هذا الملف".
وتابع: "القمة العربية الإسلامية المرتقبة في الدوحة قد تشكل محطة فارقة، إذ يمكن أن تستخدم دول الخليج ذراعها الاقتصادي ليس فقط لمنع تكرار الضربات الإسرائيلية، وإنما أيضًا للضغط من أجل إنهاء المأساة الإنسانية في قطاع غزة".
واختتم بالقول: "هذا ما تدعو إليه مصر على وجه الخصوص، حيث تطالب ولأول مرة بممارسة ضغوط على الولايات المتحدة، التي تملك وحدها القدرة على إلزام إسرائيل".
ضغط تجاه وقف الحرب
وفي غضون ذلك، قالت الدكتورة رانيا فوزي، الخبيرة في الشؤون الإسرائيلية والمتخصصة في تحليل الخطاب الصهيوني، إن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى إسرائيل جاءت عقب ما وصفته بـ"الحماقة الإسرائيلية" المتمثلة في الهجوم على دولة قطر ومحاولة استهداف قيادات الصف الأول في حركة حماس، المسؤولة عن ملف التفاوض بوساطة قطرية ومصرية.
وأكدت فوزي، في حديث لـ"دار الهلال"، أن الهدف الأساسي من الزيارة يتمثل في ممارسة ضغوط إضافية على حكومة الاحتلال لحملها على تقديم بعض التسهيلات، في ظل تصاعد الضغوط العربية وتنامي الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وهو ما ظهر جليًا في انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأوضحت فوزي أن ثمة إجماعًا غربيًا آخذًا في التشكل، صادر عن دول لطالما كانت داعمة لإسرائيل، نتيجة للجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، والتي وصفتها بأنها تصل إلى حد "الإبادة الجماعية"، ما دفع هذه الدول إلى إعادة النظر في مواقفها السابقة، والضغط باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإحياء مسار حل الدولتين.
وأضافت أن هذا الطرح يواجه رفضًا قاطعًا من حكومة بنيامين نتنياهو، التي تتمسك باستراتيجيتها القائمة على عدم التفريط في أي جزء من الأراضي المحتلة، معتبرة أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة تمثل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، كونها – بحسب تصورها – "دولة إرهاب" على حدودها.
ولفتت خبيرة الشأن الإسرائيلي إلى أن الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها السعودية، وجهت رسائل شديدة اللهجة إلى إسرائيل، مشيرة إلى أن اللقاء المرتقب بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر المقبل سيضع القضية الفلسطينية ووقف الحرب في قطاع غزة على طاولة البحث.
وأشارت إلى أن نتنياهو يواصل المضي في تنفيذ عملية "عربات جدعون 2"، مؤكدة أن هذه العملية، حتى لو شملت تهجير عشرات الآلاف من مدينة غزة نحو الجنوب، لن تحقق أهدافها، لأن المقاومة الفلسطينية ما زالت قادرة على إلحاق خسائر كبيرة بالقوات الإسرائيلية المشاركة في العملية البرية.
وكشفت فوزي أن ملف التهجير لا يزال مطروحًا داخل إدارة ترامب، مشيرة إلى ما يُعرف بـ"خطة ريفيرا غزة" أو "ريفيرا ترامب"، باعتبارها الخيار الأكثر تداولًا في بعض الدوائر الأمريكية، كوسيلة لإنهاء القضية الفلسطينية بما يخدم مصالح إسرائيل.
وقالت إن الخطة – التي كشفت عنها صحف أمريكية، منها واشنطن بوست – تقوم على إنشاء صندوق استثماري لبناء "مدن ذكية" في غزة، وطرح سيناريوهات أمام الفلسطينيين إما بالانتقال مؤقتًا إلى "مناطق آمنة" بانتظار عودتهم بعد إنجاز المشاريع، أو قبول مبالغ مالية لمغادرة القطاع نهائيًا، كما تتضمن الخطة بدائل سكنية أو تعويضات مؤقتة، مثل دفع إيجار كامل يتناقص خلال أربع سنوات، أو استبدال الأرض خارج غزة.
وختمت فوزي بالتأكيد أن "كل هذه التصورات تبدو مشروعات على الورق، إلا أن صمود الشعب الفلسطيني، رغم الحصار والتجويع والدمار، يشكّل الحاجز الأقوى أمام تمرير مثل هذه المخططات وإفشالها".