منظومة قتل إسرائيلية.. غزة بين الإبادة الجماعية وصمت العالم
تستفحل الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة على مرأى ومسمع العالم، من دون أن يتحرك لوقف نزيف دماء الفلسطينيين، الذين تفتك بهم آلة الاحتلال منازلَ وملاجئَ بلا تمييز، في انتهاك صارخ لكافة المواثيق الدولية والقانونية، التي لم تحترمها إسرائيل يومًا واحدًا منذ اندلاع حربها التي تقترب من عامها الثاني.
وفي مدينة غزة، شمال القطاع، التي باتت محور التصعيد الإسرائيلي، تواصل قوات الاحتلال عمليات قصف ممنهجة تستهدف الأبراج السكنية والبنايات والمدارس والمؤسسات المدنية، تحت ذريعة "ملاحقة المقاومة"، بينما الهدف الحقيقي يتمثل في سياسة الإبادة والتهجير القسري لمليون فلسطيني.
وبحسب معطيات مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فقد دمرت إسرائيل بشكل كامل أو جزئي أكثر من 3600 بناية وبرج سكني في مدينة غزة منذ بدء عدوانها الأخير على المدينة في 11 أغسطس الماضي، ضمن مخطط يسعى إلى السيطرة عليها واحتلالها بالكامل.
منظومة إبادة جماعية
من جانبه، قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام، إن التدمير المنهجي للأبراج السكنية في مدينة غزة يشكل انتهاكًا صارخًا للمادة الثامنة من نظام روما الأساسي التي تُجرِّم تعمد توجيه هجمات ضد الأعيان المدنية، مؤكدًا أن هذا السلوك يهدف إلى جعل المدينة غير صالحة للعيش البشري وإجبار السكان على النزوح الدائم.
وأوضح الخبير القانوني، في حديث لـ"دار الهلال"، أن استهداف مراكز الإيواء التي تضم المدنيين النازحين يعد جريمة حرب مضاعفة، وفقًا لاتفاقيات جنيف التي تؤكد حرمة الأماكن التي تؤوي المدنيين، مشيرًا إلى أن هذه الهجمات تكشف النية الإجرامية المبيتة لإفناء الشعب الفلسطيني في غزة.
ولفت إلى أن تهجير أكثر من مليون فلسطيني من مدينة غزة يقع تحت تعريف التطهير العرقي المنصوص عليه في القانون الدولي الجنائي، مؤكدًا أن هذا التهجير القسري يهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة وتمهيد الطريق لإعادة احتلالها.
وأكد الدكتور مهران أن هذه الممارسات تندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية وفقًا للمادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، خاصة إخضاع الجماعة عمدًا لأحوال معيشية يُقصد بها إهلاكها الفعلي، مؤكدًا أن الهدف النهائي هو محو الوجود الفلسطيني في غزة نهائيًا.
وحذر من أن استمرار هذه الجرائم دون رد دولي حاسم يشجع إسرائيل على التمادي في انتهاكاتها ويقوض مصداقية النظام القانوني الدولي برمته، مطالبًا المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال فورية ضد القيادة الإسرائيلية.
ودعا المجتمع الدولي إلى تفعيل مبدأ المسؤولية عن الحماية والتدخل العاجل لوقف هذه الإبادة الجماعية المستمرة، مؤكدًا أن الصمت على هذه الجرائم يجعل المجتمع الدولي شريكًا فيها.
كما أكد ضرورة فرض عقوبات اقتصادية شاملة على إسرائيل وحظر توريد الأسلحة إليها ومحاكمة القادة الإسرائيليين أمام القضاء الدولي، مشددًا على أن العدالة المؤجلة عدالة منقوصة، وأن الشعب الفلسطيني يستحق الحماية والعدالة فورًا.
وختم بالقول إن التاريخ سيحاسب كل من تخاذل في وقف هذه الجرائم البشعة، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني، رغم كل المعاناة، سينتصر في النهاية، لأن الحق لا يضيع وراءه طالب.
جريمة إبادة يعاينها العالم
فيما أكد بركات الفرا، سفير فلسطين السابق لدى مصر، أن الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة تتواصل بصورة ممنهجة، مشيرًا إلى أن إسرائيل تجسد المقولة الشهيرة: "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".
وقال إن المدنيين في القطاع يتعرضون يوميًا للقصف والقتل والتدمير، في ظل صمت دولي مريب وعجز عربي عن اتخاذ موقف حاسم يوقف هذا العدوان المستمر.
وأضاف الفرا، في حديث لـ"دار الهلال"، أن ما يجري في غزة ليس حربًا عابرة، بل جريمة إبادة تُرتكب على مرأى ومسمع العالم، دون أي تحرك لنصرة شعب أعزل يواجه آلة عسكرية غاشمة.
وأوضح أن غزة تنزف دمًا وتشيّع أبناءها يوميًا منذ عامين، في مشهد يعكس حجم التخاذل العربي مقارنة بمواقف تاريخية مشرّفة، حين كانت صرخة مظلومة واحدة كفيلة بتحريك جيوش كاملة دفاعًا عن الكرامة والعروبة.
وتابع قائلًا: "إن ما يحدث في غزة اليوم هو موت وألم يفوق الوصف، جرح غائر في ضمير الأمة، وعار على الإنسانية جمعاء، التي تركت الأطفال والنساء والشيوخ يواجهون القصف والدمار وحدهم".
وشدد الفرا على أن الأمل يبقى معقودًا على أن يفيق العرب والمسلمون ويتحركوا لوقف نزيف الدم، نصرةً لغزة وصونًا لفلسطين التي تمثل جوهر القضية ومفتاح الاستقرار في المنطقة.
واعتبر أن العدوان على غزة يكشف عن خلل واضح في النظامين الدولي والأممي، لافتًا إلى أن الأمم المتحدة لم تتخذ موقفًا حيال هذه المأساة الإنسانية، نتيجة للهيمنة الأمريكية التي تعمل بشكل سافر ضد القانون الدولي، على الرغم من مسؤولياتها بوصفها أكبر قوة عالمية.