عزلة الاحتلال.. إسرائيل كيان منبوذ دوليًا
عامان من العدوان الإسرائيلي على غزة، بات الكيان المحتل منبوذًا دوليًا خلالها بين قطع للعلاقات الدبلوماسية مع عدة دول ولجوء دول أخرى لإجراءات مثل تعليق اتفاقيات اقتصادية وعسكرية، فيما اقترحت المفوضية الأوروبية فرض رسوم جمركية على المنتجات الإسرائيلية المستوردة إلى الاتحاد الأوروبي.
كذلك اقترحت فرض عقوبات على وزيرين من اليمين المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو، وهما هما وزير المال بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وفق ما أعلنت مسؤولة الشؤون الخارجية في التكتل كايا كالاس، وذلك إثر الحرب على غزة، وكتبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على منصة إكس أن المفوضية اقترحت أمس "تعليق الدعم الثنائي لإسرائيل من دون التأثير على عملنا مع المجتمع المدني الإسرائيلي و (مؤسسة) ياد فاشيم ".
ومع لجوء إسبانيا لقرار حظر اتفاقيات عسكرية مع إسرائيل، والإدانات الدولية المستمرة للحرب على غزة ولجرائم الإبادة التي يرتكبها الاحتلال في القطاع، اعترف بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل نوعًا من العزلة" قد يستمر لسنوات، وليس لديها خيار سوى الاعتماد على نفسها.
وأوضح "بسبب عزلتها الدبلوماسية ستضطر إلى التكيف مع اقتصاد يتميز بالاكتفاء الذاتي"، قائلا إن إسرائيل تواجه وضعا دوليا صعبا، وستحتاج إلى التكيف مع اقتصاد ذي سمات الاكتفاء الذاتي.
تواجه إسرائيل الآن حظرًا جزئيًا أو كليًا على الأسلحة من عدة دول على رأسها فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا ودول أخرى بسبب العدوان على حرب غزة.
نوع من العزلة
ويقول الدكتور محمد مرعي، الخبير بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن حكومة الاحتلال نفسها تعترف بأن إسرائيل أصبحت تعيش نوعًا من العزلة، وإن عليها الاعتماد على نفسها في ما يتعلق باحتياجاتها الاقتصادية والعسكرية، موضحا أن هذا الموقف يعكس تحوّلًا كبيرًا في علاقات إسرائيل الدولية منذ السابع من أكتوبر 2023، خاصة بعد انكشاف الجرائم التي ترتكبها في قطاع غزة، والتي ترقى إلى الإبادة الجماعية.
وأكد "مرعي"، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تصر على انتهاك القانون الدولي والقانون الإنساني، وترفض التجاوب مع أي جهود لوقف إطلاق النار أو التوصل إلى اتفاق يضمن إنهاء الحرب، وتسليم الأسرى والمحتجزين، موضحا أن نتنياهو لا يُبدي أي اهتمام فعلي بالأسرى الإسرائيليين، ونجح في تمهيد الرأي العام الداخلي لتقبّل ذلك.
وأشار إلى أن الكلفة السياسية والأخلاقية لهذه السياسات كانت باهظة؛ إذ أصبحت إسرائيل في وعي الرأي العام العالمي، وخاصة في الغرب، تُصنَّف كدولة فصل عنصري، ويتهم قادتها وجيشها بارتكاب جرائم حرب، موضحا أن نتنياهو صرّح منذ عام بأن إسرائيل تواجه أكثر من ملياري مسلم، غير أنه لم يدرك أن الصور الموثقة لجرائم الاحتلال في غزة أسهمت في فضح الانتهاكات، مما أدى إلى تراجع كبير في صورة إسرائيل أمام العالم كله.
وشدد على أن هناك الآن أصوات جريئة، حتى داخل الكونجرس الأمريكي، وبين الصحفيين والمحللين، تتحدث بصراحة غير معهودة عن ممارسات إسرائيل في غزة، بما في ذلك التطهير العرقي وجرائم الحرب، مضيفا أن يُعد هزيمة على مستوى العلاقات العامة والدبلوماسية الدولية، ويخصم كثيرًا من رصيد إسرائيل الخارجي.
وأكد أنه رغم أن نتنياهو أقرّ بأن إسرائيل تعيش عزلة نسبية، إلا أن هذا التصريح قوبل بانتقادات شديدة من المعارضة الإسرائيلية، من يائير لابيد، أفيغدور ليبرمان، نفتالي بينيت، وغيرهم، لكن هذه الانتقادات لم تُحدث أي ضغط داخلي فعلي يدفع نتنياهو لتغيير سياسته أو التوجه نحو مسارات بديلة لحل أزمة غزة أو وقف الحرب.
وأضاف مرعي أن نتنياهو تمكّن من تجاوز كل الضغوط الداخلية والخارجية منذ بداية الحرب، خاصة فيما يتعلق بالتوصل إلى صفقة للإفراج عن الأسرى، كما استطاع أن يُقلل من تأثير القضايا القانونية المتعلقة بالفساد التي تلاحقه، وذلك من خلال حشد دعم اليمين المتطرف في المجتمع الإسرائيلي.
ولفت إلى أنه نتيجة لهذا الدعم، تمكن من استقطاب الداخل الإسرائيلي لمواصلة تنفيذ خطته في غزة وتصعيد العدوان وتوسيع نطاق العمليات العسكرية، ولا توجد مؤشرات حاليًا على وجود ضغط شعبي أو سياسي جاد من الداخل يدفعه إلى التراجع، حتى التظاهرات، التي بلغت في وقت سابق مليون متظاهر في أنحاء تل أبيب، لم تؤثر فعليًا في قراراته.
وشدد على أن نتنياهو لا يكترث بملف الأسرى والمحتجزين، والأزمة الحقيقية التي تواجهه الآن تتمثل في أن جميع الملفات أصبحت مفتوحة أمامه فهو لا يعلم كيف سينتهي الغزو البري لمدينة غزة، ولا ما الذي سيحدث في "اليوم التالي" للحرب، ولا كيف سيُغلق ملفات المواجهة المفتوحة مع حزب الله في لبنان، أو الحوثيين في اليمن، أو حتى إيران وسوريا.
وأضاف أن نتنياهو حتى الآن، لم يحقق أي مكاسب سياسية تُذكر، فالمكاسب العسكرية الميدانية لم تُترجم إلى نتائج استراتيجية أو سياسية حقيقية، وهذا يشكل ضغطًا إضافيًا عليه، مشيرا إلى أن نتنياهو يراهن على الدعم الأمريكي، وخاصة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويأمل أن يحقق، من خلال الحسم العسكري واحتلال قطاع غزة، انفراجًا في ملف الأسرى، بل على العكس فالعملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة في غزة تؤدي في النهاية إلى مقتل عدد أكبر من الأسرى الإسرائيليين أنفسهم.
تغير الموقف الدولى تجاه إسرائيل
وقال الدكتور طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، إن مواقف المجتمع الدولي تغيرت بالفعل تجاه إسرائيل التي باتت منبوذة دوليا، وكذلك تجاه القضية الفلسطينية حيث تتوالى الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية وهذا ثمرة جهود كبيرة قامت بها الدولة المصرية، ولولا دور مصر، لربما كانت القضية الفلسطينية تمت تصفيتها، ولما صدرت هذه الاعترافات الدولية المتتابعة بحق فلسطين.
وأوضح "البرديسي" في تصريحات لبوابة "دار الهلال"، أن الاعترافات تأتي تباعًا من دول عدة، وما زالت دول أخرى تستعد لاتخاذ الخطوة نفسها، في تأكيد على شرعية القضية الفلسطينية، وعلى أن إسرائيل هي الطرف المعتدي والمنتهك لكل قواعد القانون الدولي، مؤكدا أن ضغط المجتمع الدولي يمثل عنصرًا بالغ الأهمية في دعم قيام الدولة الفلسطينية، وفي الدفع نحو حل الدولتين.
وأشار إلى أنه لولا هذا الضغط، لكان القانون الدولي قد انهار لصالح "شريعة الغاب"، حيث يساء استخدام الحقوق الدولية، كما تفعل الولايات المتحدة باستخدامها المتكرر وغير المنصف لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، وتجهض أي مشروع قرار يدعم القضية الفلسطينية ويدين ممارسات العدوان الإسرائيلي.
ولفت إلى أن دولًا أوروبية عديدة تتوالى في إعلان اعترافها بفلسطين، كما أن نظرة العالم بدأت تتغير، ليس فقط في أوروبا، بل في آسيا وأمريكا اللاتينية ومناطق أخرى، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة، فهي حتى الآن لا تزال خارج هذا التوجه، ولكن إن شعرت بأن مصالحها مهددة بفعل ضغط دولي حقيقي وجاد، فقد تجد نفسها مضطرة للضغط على إسرائيل.