لوبوان: لعبة مزدوجة بين ترامب ومادورو.. صراع في العلن وتحالف في الخفاء
خلال الأيام الأخيرة، بلغت التوترات بين فنزويلا والولايات المتحدة مستوى غير مسبوق. فباسم مكافحة كارتلات تهريب المخدرات، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنفيذ ضربة عسكرية استهدفت سفينة يشتبه في تورطها بتهريب المخدرات في البحر الكاريبي، ما أسفر عن مقتل 11 شخصا ، يزعم انهم أعضاء في كارتل "ترين دي أراجوا". وبعد أيام، أعلن ترامب عن شن هجوم ثان أسفر عن مصرع ثلاثة من مهربي المخدرات .
وأشارت مجلة "لوبوان" الفرنسية في مقال لها الى انه في 19 سبتمبر، نشر الرئيس الامريكي دونالد ترامب على منصته "تروث سوشال" مقطع فيديو يظهر ما وصفه بضربة عسكرية استهدفت سفينة محملة بالمخدرات متجهة إلى الولايات المتحدة. هذه العمليات جاءت ضمن انتشار عسكري واسع بالمنطقة، يضم أكثر من 4000 جندي من البحرية ومشاة البحرية، وسفن مزودة بصواريخ "توماهوك"، وغواصة هجومية وعشرة مقاتلات F-35 متمركزة في بورتوريكو .
من جانبه، يستغل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو هذه الضربات لتقوية خطابه المناهض للإمبريالية ولإحكام قبضته الداخلية عبر تشديد القمع ضد المنظمات غير الحكومية والصحفيين. وقد كتب مادورو لترامب نافيا تورطه في تهريب المخدرات، واصفا الاتهامات بـ"الأخبار الكاذبة"، واقترح اجراء حوار مباشر مع المبعوث الأمريكي الخاص ريتشارد جرينيل .
أما الإدارة الأمريكية، فتتهم مادورو بقيادة شبكة تهريب مخدرات تعرف بـ"كارتل الشمس"، رغم الجدل حول وجودها فعليا، ورفعت المكافأة للقبض على الرئيس الفنزويلي إلى 50 مليون دولار، متهمة إياه بقيادة منظمة اتجار بالمخدرات. وفي مواجهة هذه التهديدات، يدعي مادورو أنه حشد ما يقرب من خمسة ملايين من رجال الميليشيات. وهذه حيلة دعائية، إذ ان الواقع يؤكد اعتماده فقط على الجيش والميليشيات الموالية له.
في موازاة ذلك، فقد فر حوالي ثمانية ملايين فنزويلي من بلادهم، ويعيش 85% منهم في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، خاصة في كولومبيا (2,8 مليون نسمة) وبيرو (1,5 مليون نسمة). بينما شهدت الولايات المتحدة أكبر نمو في أعداد المهاجرين من فنزويلا بين 2018 و2024 (من 93 ألفا إلى 650 ألفا)، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
لكن وراء هذا التصعيد في الخطاب والعمل العسكري بين واشنطن وكراكاس يظل هناك تعاون اقتصادي. فقد منحت إدارة ترامب في يوليو شركة "شيفرون" ترخيصا لستة أشهر لاستئناف عملياتها النفطية في فنزويلا، استمرارا لانفتاح بدأه الرئيس الامريكي السابق جو بايدن. ورحب مادورو بهذا القرار قائلا "شيفرون موجودة في فنزويلا منذ 102 عام، وأريدها أن تبقى 100 عام أخرى". ووفقا للاتفاقية المبرمة بين كراكاس وواشنطن، تشارك الشركة الأمريكية في العديد من المشاريع مع شركة النفط الوطنية الفنزويلية (PDVSA). ويذكر هذا التعاون الاقتصادي بالتعاون بين جورج بوش وهوجو تشافيز في مطلع الألفية الثانية.
ولخصت المحللة السياسية يولتي براشو الوضع بقولها "هناك دبلوماسية ذات سرعتين: من جهة، تهديدات عسكرية، ومن جهة أخرى، مفاوضات نفطية متواصلة. حيث يحافظ البلدان على براجماتية اقتصادية رغم التوترات. فالنسبة للولايات المتحدة تظل فنزويلا الشريك النفطي المثالي من الناحية الجغرافية".
وخلصت المحللة براشو الى ان هذه "اللعبة المزدوجة" تخدم مصالح كلا الزعيمين: فبالنسبة لترامب، تمثل فنزويلا نصرا سريعا محتملا، على عكس القضايا الأوكرانية أو الإسرائيلية الفلسطينية. كما يخدم هذا الموقف الحازم سياسته الداخلية، لا سيما في فلوريدا، حيث يسعى إلى استمالة الناخبين الجمهوريين من أصول لاتينية في ميامي. بينما يستغل مادورو الأزمة لتعزيز روايته ضد الإمبريالية وتبرير عسكرة البلاد، مستفيدا في الوقت نفسه من عائدات النفط الحيوية لنظامه.