رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


4 مشاهد غيَّرت ملامح الدولة الفارسية.. إصلاحات «الشاه» البيضاء مهَّدت لحلم الخميني.. وفوضى 1979 تضع الإيرانيين في قبضة الدولة الإسلامية.. وانتخابات 2009 تشعل الغضب الأخضر.. وروحاني يواجه مصيرا مجهولا

4-1-2018 | 18:19


تعد إيران من الدول صاحبة التاريخ المختلف والمتباين مع الأحداث المظاهرات والاحتجاجات، وصلت بعضها إلى إسقاط أنظمة وبروز أخرى، ومنها ما تم وأده في مهده أو احتواء النظام القائم للأوضاع أو الزج برموزه خلف القضبان، ولكن دائمًا ما تنجح تلك الثورات في تحقيق أهدافها ولو بعد حين، وهو ما حدث مع "الثورة البيضاء" عام 1963 ضد نظام محمد رضا بهلوي ونجحت في النهاية عام 1979 وعرفت في ما بعد باسم الثورة الإسلامية، رغم نفي زعيمها إلى الخارج آية الله روح الله الخميني، ويعتبر هذا النظام هو القائم حتى الآن ويستند إلى أسس عقائدية لا يجوز الاقتراب منها أو نقضها ممثلة في المرشد الأعلى للثورة الإسلامية وأطلق عليها أيضًا «ولاية الفقيه»، والذي أمن نفسه بجيش مستقل عُرف باسم «الحرس الثوري» ويعد جيشا موازيا للجيش الرسمي للبلاد.

ورغم تعرض النظام الحالي إلى مظاهرات حاشدة في بعض المدن الإيرانية عام 2009 بسبب وجود شبهة تزوير في نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، لفترة رئاسية ثانية، فإنه نجح في إخمادها ووأدها وانتهت نهائيا في 2010.



 


مطالب عادلة تهدد بقاء النظام

الاحتجاجات والمظاهرات التي تشهدها المدن الإيرانية، والتي انطلقت قبل أسبوع بمدينة مشهد ثاني أكبر المدنية الإيرانية بعد طهران بسبب تردي

الأوضاع المعيشة وارتفاع أسعار الطاقة وزيادة نسبة البطالة وإسقاط الدعم عن 30 مليون مواطن، لن تتوقف في ظل عمليات القمع التي ينتهجها

الحرس الثوري فضلا عن ارتفاع سقف مطالب المحتجين، حسب مراقبون للوضع الإيراني.

المراقبون يؤكدون أن نشر مزيد من قوات الحرس الثوري وكان آخرها توغله في ثلاثة أقاليم للمساعدة في قمع الاحتجاجات السلمية المندلعة سوف يزيد من تصاعد الأحداث وتعقيد الأزمة، لأن الحرس يعتمد على العنف والقمع بالقوة والاعتقالات المفرطة، فخلال أسبوع التظاهرات سقط ما يزيد على 21 قتيلا مدنيا على أيدي عناصر الأمن، وفقًا للبيانات الرسمية.

وأكد المراقبون أن التشديد على المطالب التي رفعها المتظاهرون يصل بطهران إلى طريق مسدود في حال التمسك بها، بما يعني إسقاط النظام

الحالي، لأنه لن يقبل بأغلب هذه المطالب التي انتقلت من الأوضاع الاقتصادية إلى أوضاع متعلقة بالحرية والمرأة ورفع الحظر عن مواقع التواصل الاجتماعي، والنظام الحالي من المستحيل أن ينتقل من نظام عقائدي إلى ليبرالي ومتحرر.

ورفع الغاضبون في الميادين الإيرانية تسعة مطالب رئيسية، منها الاستفتاء العام حول شكل النظام المستقبلي، والذي يريدون تغييره إلى نظام

جمهوري، وتقويض أيديولوجية نظام ولاية الفقيه، وإلغاء الحجاب القسري وإقرار مبدأ حرية اختيار النساء لمظهرهن وملابسهن، وحرية وسائل

الإعلام وإلغاء الرقابة عليها، وفصل الدين عن السياسة والدولة وإبعاد المؤسسات الدينية والحوزات عن السياسة وإدارة شؤون الدولة وتسليمها للتكنوقراط.



الثورة الخضراء

وتختلف المظاهرات الحالية عن المظاهرات التي وقعت عام 2009 وعرفت باسم الثورة الخضراء، حيث ارتفع سقف الاحتجاجات ضد النظام

الإسلامي الحاكم بعدما اُتهمت الحكومة بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في يوم 12 يونيو 2009، وأسفرت عن فوز أحمدي

نجاد، حيث إن الأحداث الجارية اندلعت بسبب تردي الأوضاع المعيشية، على عكس أحداث الثورة الخضراء التي كانت تتعلق بالأوضاع السياسية

والانتخابية.

وشهدت المدن الكبرى، آنذاك، احتجاجات واسعة في طهران وأصفهان وشيراز بعد الإعلان في 13 يونيو عن فوز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية بعد حصوله على 63% بإقبال 85% من الناخبين.

وعقب إعلان النتيجة، شكك المعارضون في نزاهة الانتخابات، متهمين الحكومة بالاستناد إلى أعمال تزوير واسعة شابت العملية الانتخابية، فخرج مئات الآلاف من الإيرانين ما بين رجال ونساء وشيوخ، مطالبين بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات.

وتم اعتقال المئات من الإصلاحيين على خلفية التظاهرات، وقد أعلن الإعلام الرسمي الإيراني عن مقتل 7 مدنيين في يوم 16 يونيو وحده.




إصلاحات بهلوي البيضاء

ولكن رغم كل هذه الأحداث فإن الثورة الإسلامية التي وقعت عام 1979، تعتبر هي الأكبر والأضخم في تاريخ إيران الحديث، والتي أطاحت

بالشاه محمد رضا بلهوي، الذي كانت تربطه علاقة قوية بدول الغرب وأمريكا.

ولكن الثورة الإسلامية سبقتها أحداث كانت ضخمة وتعتبر بمثابة مقدمات لها، والتي وقعت عام 1963، إلا أن نظام الشاه نجح في إخمادها.

في عام 1941 أُجبر رضا خان على التنازل عن العرش لصالح ابنه محمد رضا بهلوي، بعد وصول إيران تحت الاحتلال البريطاني والروسي في أعقاب الغزو الأنجلو السوفييتي التي تثبت الممر الفارسي وسوف تستمر حتى عام 1946، وزادت قبضة الشاه الأمنية في البلاد منذ عام 1951 واتسعت مساحة الاعتقالات التعسفية والتعذيب من قبل شرطته السرية، التي كانت تستخدم لسحق كل أشكال المعارضة السياسية.

وفي ذلك الوقت برز نجم "آية الله روح الله الخميني" باعتباره الناقد النشط للشاه من الثورة البيضاء التي نددت بالحكومة علنا​​، وألقي القبض على

الخميني وسجن لمدة 18 شهرا، بعد الإفراج عنه في عام 1964.

واندلعت تظاهرات في 5 و6 يوليو 1963 في إيران يطلق عليها كذلك الانتفاضة، أو أحداث يونيو 1963، وتُعرف في إيران على حسب التقويم

الهجري الشمسي باسم 15 خرداد، احتجاجًا على إلقاء القبض على آية الله روح الله الموسوي الخميني بعد إلقائه خطابا غاضبا يهاجم فيه الشاه

محمد رضا بهلوي، وإسرائيل والولايات المتحدة.

وعلى الرغم من نجاح الشرطة والجيش في قمعها في غضون أيام، فإن تلك الأحداث ولّدت شعورًا بأهمية وقوة المعارضة الدينية (الشيعية) لنظام

الشاه واعتبار الخميني زعيمًا سياسيًّا ودينيًّا بارزًا.

وكان الشاه قد أعلن عن "الثورة البيضاء" في يناير 1963،  وهي عبارة عن برنامج إصلاح مكوّن من ست نقاط يدعو إلى إصلاح

الأراضي، وتأميم الغابات، وبيع الشركات المملوكة للدولة للقطاع الخاص، وإجراء التغييرات الانتخابية التي تمنح المرأة حق الاقتراع، وتقاسم الأرباح في مجال الصناعة، وشنّ حملة لمكافحة الأمية في المدارس في كل أنحاء الدولة.

واعتبر التقليديون كل هذه المبادرات اتجاهات خطيرة تهدف إلى التغريب، ويأتي في مقدمة هؤلاء العلماء الشيعيون البارزون والمتميزون "رجال الدين" الذين شعروا بتهديد بالغ حيال هذه المبادرات.




الثورة الإسلامية وولاية الفقيه

ورغم إخماد الثورة الدينية على الشاه، فإن الانتفاضة العارمة التي وقعت في 1979، عرفت في ما بعد باسم الثورة الإسلامية، أطاحت بنظام محمد رضا بهلوي بعد المظاهرات التي بدأت في يناير عام 1978.

بعد إضرابات وتظاهرات شلت البلاد واقتصادها، فر الشاه من البلاد في يناير عام 1979، وعاد آية الله روح الله الخميني من المنفى إلى طهران، وأطلق الوعود للناس من أجل بناء نظام جديد.

اندلعت الانتفاضات في البلاد ضد النظام الجديد في كردستان، خوزستان وبلوشستان ومناطق أخرى على الرغم من أنها فشلت في نهاية المطاف.

في 8 مارس عام 1979، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة، نزلت النساء الإيرانيات إلى الشوارع وتظاهرن لتحسين وضع وحقوق المرأة، وخاصة في ما يتعلق بقانون الأسرة والحجاب الإلزامي.

وفي أبريل 1979 أصبحت إيران جمهورية إسلامية رسميا، بعد أن تم دعم إنشائها في استفتاء، وجرى استفتاء ثان في ديسمبر 1979، حيث تمت

الموافقة على دستور ثيوقراطي على الرغم من انضمام القوميين والماركسيين التقليديين مع الإسلاميين للإطاحة بالشاه.

وظل نظام الدولة الإسلامية قائما بشعاراته وأسسه الدينية حتى وقتنا هذا، الذي يواجه الآن كأس التظاهرات والاحتجاجات التي أذاقها لنظام الشاه محمد رضا بهلوي، ولكنّ مراقبين يؤكدون صعوبة التنبؤ بمستقبل الأوضاع في إيران، ولكن اكتفوا بوضع أكثر من سيناريو للأحداث الجارية ما بين الاستجابة للمطالب، وصلاً إلى انتهاء الهيمنة والسيطرة الدينية الحالية.