"بحر الصداقة 2025" .. منصة جديدة للتقارب المصري التركي وتعزيز التنسيق العسكري وتبادل الخبرات
في سياق متغيرات إقليمية متسارعة، شهدت الساحة العسكرية انطلاق التدريب البحري المشترك "بحر الصداقة 2025" بين مصر وتركيا، بمشاركة عناصر من القوات البحرية المصرية، حيث يتضمن التدريب سلسلة من الأنشطة والمحاضرات البحرية لصقل مهارات المشاركين ورفع كفاءتهم القتالية وتوحيد المفاهيم العملياتية، بما يعكس توجهًا متصاعدًا نحو تعزيز أطر التعاون العسكري وتبادل الخبرات بين البلدين.
ويرى محللون استراتيجيون في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن دلالة التدريب تتجاوز الطابع الفني، إذ يأتي في توقيت حساس يفرض على القاهرة وأنقرة العمل المشترك لمواجهة تحديات الأمن البحري وحماية المصالح الاستراتيجية في شرق المتوسط ومحيطه.
وقال المحللون إن التدريب البحري المشترك "بحر الصداقة" يعد خطوة بارزة في مسار إعادة بناء العلاقات العسكرية بين البلدين وتعزيز التنسيق العسكري وتبادل الخبرات، في توقيت تشهد فيه المنطقة تحولات استراتيجية متسارعة تفرض على الدولتين صياغة مساحات أوسع للتعاون.
ففي هذا الإطار، أكد اللواء سمير فرج الخبير الاستراتيجي ومدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق بالقوات المسلحة، أن تدريب "بحر الصداقة 2025" بين مصر وتركيا يُعد مناورات ذات أهمية خاصة، لكون البلدين يمتلكان أكبر قوتين بحريتين في الشرق الأوسط، وهو ما يجعل التعاون بينهما إضافة كبيرة للمعادلة الإقليمية.
وقال اللواء سمير فرج إن هذا التعاون لا يقتصر فقط على البعد العسكري، بل يعكس إرادة سياسية في فتح صفحة جديدة من العلاقات بين القاهرة وأنقرة.
وأوضح أن منطقة شرق المتوسط، التي تستضيف فعاليات التدريب، تُعد واحدة من أكثر المناطق حساسية وأهمية، نظرًا لكونها غنية باحتياطيات الغاز والبترول، وفي الوقت نفسه تشهد توترات وصراعات على النفوذ، ومن ثم، فإن تنفيذ تدريب مشترك بهذا الحجم يُسهم في تهدئة الأوضاع، ويبعث برسائل طمأنة حول إمكانية بناء شراكات إقليمية قائمة على المصالح المشتركة لا على التنافس.
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن عودة هذا التدريب بعد سنوات من التوقف يمهد الطريق لاستعادة العلاقات بين مصر وتركيا إلى سابق عهدها، مؤكدًا أن التوقيت الذي يُنفذ فيه يحمل دلالات واضحة على حرص القاهرة على تقوية روابطها مع أنقرة في ظل التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة.
وأضاف أن التدريب يسهم في رفع الكفاءة القتالية للعناصر المشاركة، وأن استفادة مصر ستكون كبيرة من خلال الاحتكاك بالقوات البحرية التركية، التي تُعد من أقوى القوات البحرية في المنطقة وتمتلك خبرات واسعة في إدارة العمليات البحرية.
وأوضح أن تركيا كذلك لديها رغبة في الاستفادة من القوات البحرية المصرية المتقدمة في التصنيف العالمي، وتُتيح التدريبات المشتركة لها التعرف على مسرح عسكري جديد في البحر المتوسط.
واختتم اللواء سمير فرج تصريحه بالتأكيد على أن استمرار مثل هذه المناورات المشتركة يعزز القدرات العسكرية للطرفين، ويفتح الباب أمام علاقات أكثر رسوخًا وتعاونًا ممتدًا في ملفات إقليمية أخرى.
بدوره، قال اللواء نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالقوات المسلحة، إن تدريب "بحر الصداقة 2025" بين مصر وتركيا يتجاوز كونه مجرد مناورات بحرية، ليشكل منصة عملية لتبادل الخبرات وتعزيز الجاهزية القتالية، مؤكدًا أن وجود دولتين تمتلكان أكبر قوتين بحريتين في الشرق الأوسط في تعاون مباشر يعكس إدراكًا استراتيجيًا بأهمية التنسيق في ظل ما يواجهه الإقليم من تحديات.
وأوضح اللواء نصر سالم أن أحد أبرز الفوائد يتمثل في تطوير قدرات القوات البحرية على العمل في بيئات عملياتية مختلفة، والتكيف مع تكتيكات متنوعة، وهو ما يعزز من مرونتها القتالية ويزيد من كفاءتها في إدارة الأزمات.
وأضاف أن التدريب يوفر فرصة مهمة للاطلاع على نظم التسليح وأساليب المناورة التي يمتلكها الجانب التركي، في مقابل ما تتميز به البحرية المصرية من خبرات متراكمة في تأمين الممرات الاستراتيجية، بما يخلق تكاملًا نوعيًا بين الطرفين.
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن مثل هذه التدريبات تسهم أيضًا في رفع مستوى التنسيق العملياتي المشترك، لافتا إلى أن وجود قوات البلدين معًا في مسرح شرق المتوسط يرسل رسالة استقرار وطمأنة لشركاء المنطقة، بأن القاهرة وأنقرة تتجهان نحو صياغة معادلة جديدة قائمة على التعاون لا التنافس.
ولفت إلى أن المكاسب لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تمتد إلى بناء الثقة وتعزيز الروابط السياسية، إذ أن نجاح هذه المناورات يمهد الطريق لعلاقات أوسع في المجالات الاقتصادية والأمنية.
وختم تصريحه بالتأكيد أن "بحر الصداقة 2025" يعكس فلسفة جديدة في إدارة المصالح، تقوم على أن التنسيق العملي بين الدول الكبرى بالمنطقة هو السبيل لتعزيز التوازن الاستراتيجي وحماية الموارد الحيوية لشعوبها.
من جانبه، أكد اللواء طيار دكتور هشام الحلبي المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن تدريب "بحر الصداقة" بين مصر وتركيا يعكس نقلة نوعية في مسار العلاقات العسكرية الثنائية، مشيرًا إلى أن هذا التدريب ليس الأول من نوعه، حيث جرى تنظيمه في فترات سابقة قبل أن يتوقف عام 2013، ثم يعود اليوم بصورة أكثر شمولًا وعمقًا، بما يعكس الإرادة السياسية لدى البلدين لإعادة بناء جسور التعاون وتعزيز الثقة المتبادلة.
وأوضح الحلبي أن التدريب يعد من أبرز المناورات البحرية المشتركة، لما يتضمنه من أنشطة واسعة النطاق تشمل تبادل الخبرات العملياتية والتكتيكية، والتعرف على أساليب القتال الحديثة ونظم التسليح المتطورة، فضلًا عن كونه منصة لتأسيس مجالات تعاون عسكري جديدة تمتد إلى ما هو أبعد من البحر.
وأضاف أن هذا النوع من التدريبات يسهم بشكل مباشر في رفع الجاهزية القتالية للقوات البحرية، وزيادة قدرتها على التعامل مع التحديات المعقدة التي تفرضها بيئات العمليات البحرية الحديثة.
وأشار المستشار بالأكاديمية العسكرية إلى أن اختيار منطقة شرق المتوسط لتنفيذ التدريب يحمل أبعادًا استراتيجية بالغة الأهمية، إذ تضم المنطقة حقولًا ضخمة للنفط والغاز وخطوط ملاحة رئيسية تمثل شريانًا للتجارة العالمية، ما يجعلها مسرحًا لمصالح متشابكة وأطماع متزايدة من جانب بعض القوى الإقليمية والدولية.. متابعا: "ومن ثم، فإن تعزيز قدرة القوات المسلحة المصرية على التواجد والمناورة في هذه المنطقة الحيوية يعزز من حماية المصالح الوطنية ويدعم الأمن والاستقرار الإقليمي".
ولفت الحلبي إلى أن "بحر الصداقة 2025" لا يقتصر على كونه تدريبًا عسكريًا، بل يمثل رسالة سياسية واضحة مفادها أن التعاون بين دولتين محوريتين مثل مصر وتركيا يشكل ركيزة أساسية لإعادة صياغة موازين القوى في الشرق الأوسط.
وأضاف أن استمرار مثل هذه التدريبات من شأنه أن يفتح آفاقًا جديدة للتعاون العسكري والأمني على نطاق أوسع مستقبلًا، في وقت يشهد فيه الإقليم حالة من السيولة الأمنية ورغبة إسرائيل في التوسع وفرض وقائع جديدة على الأرض.
وختم الحلبي تصريحه بالتأكيد على أن توثيق التعاون بين القاهرة وأنقرة في هذا التوقيت الحساس يرسخ معادلة جديدة للتوازن الاستراتيجي، ويؤكد أن التنسيق الإقليمي أصبح ضرورة لا خيارًا، لمواجهة التحديات المشتركة وصون المصالح الحيوية لشعوب المنطقة.