لغةُ المصالح.. مصطلحٌ باطلٌ
مصطلحٌ لطالما ألِفنا سماعَه في عالم السياسة لاسيما في ظلّ التحولات السياسية الكبرى الحالية تقاربًا وتباعدًا وتنافرًا، فعندما تتبدل العلاقاتُ بين الدول من نقيضٍ لآخر على اختلاف مفرداتها يبرز لنا ذلك المصطلح، نُفاجأ مثالًا بمغازلة دولةٍ لبدء صفحةٍ جديدة عنوانها إعلاء المصلحة العليا لكلا البلدين، وطيّ أخرى قديمةٍ لم تؤتِ ثمارها المرجوة منها، فضلًا عن أنها لم تعد مواتية للظروف الدولية الحالية والأمثلة هنا تترى، وفي مقابل تلك الصفحة نجد أخرى قطيعة بين دولتين للغرض ذاته.
لكن، وعلى أية حال، ومهما يكن من أمرٍ، هل تمّ تصدير هذا المصطلح إلينا قصدًا ليأتي على قناعاتٍ نشأنا عليها وتربيّنا؟! قناعات ظلت راسخةً في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا لأجيال وقرون عديدةٍ لتبرير تلك الحالة التي باتت عليها الأمة اليوم نأيًا وإعراضًا وخذلانًا لعضوٍ فيها لا يشتكي ويئنّ وحسب بل يُبتر على مرأى ومسمع منها جميعًا؟! أتمّ الترويجُ إذن لمصطلح لغة المصالح عن سبق إصرارٍ وترصّدٍ لتبرير أفعال الدول لاسيما نحن ومواقفها إزاء التحولات الكبرى والقضايا المصيرية الحاصلة وتتطلب مواقف واضحة وخانة محددة؟!
باتَ مصطلح لغة المصالح هو الحلّ السحري لتبرير حالنا اليوم وقبوله وتسويغه دون امتعاضٍ من ذلك، حدّ اقتناعنا أن ذلك هو الأصل في التعامل بين الدول لصالح شعوبها الأعلم بمصالحها والأمينة عليها فلا نرجع بعدها نُصدم من تحالفاتٍ وتعاملاتٍ ومُواءماتٍ ظنناها يومًا مستحيلًا رابعًا، والأمثلة في ذلك أيضًا لا حدّ لها.
إذن، لغة المصالح هي الضابط الأساسي والموجه لها في علاقات الدول فيما بينها، لكننا قد نرى لغةً أعمق من تلك اللغة الضيقة على أهميتها الإستراتيجية لكل دولةٍ على حدةٍ؛ مثال ذلك، الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وموقف كلّ منهما من الحرب في أو كرانيا، دون تفصيلاتٍ معقدةٍ في ذلك؛ فعلى الرغم من مصالح كلّ دولة فيهما على حِدةٍ مع روسيا لاسيما اقتصاديًّا، وفي مجال الطاقة، والتي لا غنى لها جميعًا عنها كما الحال مع ألمانيا إلا أنهم، ورغم ذلك، التفوا حول بعضهم البعض لما رأوا في ذلك خطرًا وجوديًّا عليهم جميعًا، خطر استطاعت أمريكا تعظيمه مستغلة تلك الفكرة لتقودهم كالقطيع، وقد نجحت في ذلك.
إذن، وفي لحظةٍ ما استشعر فيها الجميعُ الخطر المُهدد لهم جميعًا؛ فارتقوا فوق مصالحهم الشخصية على حيويتها لِدرء خطر أدهى وأمرّ سيأتي عليهم جميعًا، رغم عدم تهديد روسيا عمليًّا لهم، ورغم اختلاف أهوائهم ومشاربهم.
لكن، وبالقياس إلى حالنا، نجد الحال على غير الحال مع أوروبا وأمريكا والناتو؛ إذ نجد إعلاءً وتعظيمًا لمصلحة كلّ دولة على حِدةٍ، نفسي نفسي، دون إعلاءٍ لمصلحة الجميع رغم أن الخطر يتهدّدنا جميعًا وجوديًّا لا تحليلًا ولا تكنهناتٍ وإنما تصريحًا رسميًّا متكررًا في كل محفلٍ ومؤتمر، وحتى في عقر دار الأمم المتحدة نفسها في تحدّ سافرٍ لكلّ قِيمها وقراراتها التي تضمن سيادة الدول وحرية الشعوب.
نجد، وللأسف، إعلاءً للغة المصالح، ونفسي نفسي، رغم استحالة تجاوزنا لما يجمعنا أرضًا ولغةً وملامح ومصيرًا وعدوًّا، ورغم بُعدٍ دينيّ إذ أعلى دينُنا من قيمة الجميع ككل " إنما المؤمنون إخوة ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى ".
لَنخلص من ذلك كله، أن مصطلح لغة المصالح إنما هو باطلٌ أُريد به باطلٌ لنا وحدَنا دون غيرِنا، باطلٌ كذّبه واقعُ الغرب حِيال روسيا، مصطلح صِيغ على مهلٍ، نسجتْ حروفه وغذّتْه سُمًّا ناقعًا أبالسةٌ لا يريدون لنا خيرًا ألبتة وإنما شرًّا وبيلًا. حفظ الله مصر أرضًا وشعبًا وجيشًا وقائدًا.