رئيس اتحاد الناشرين العرب: الناشر المصري ينتج ثلث إصدارات العالم العربي.. والقرصنة أخطر التحديات
أكد محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، أن الناشر المصري ما يزال يمثل ركيزة أساسية في إثراء المشهد الثقافي العربي، مشيرا إلى أن ما يُنتج في مصر حاليا يشكل نحو 30 إلى 35% من إجمالي الإنتاج العربي، وهو ما يعكس استمرار الثقل المصري في صناعة النشر على الرغم من التغيرات والتحديات التي يشهدها القطاع.
وقال رشاد، في حوار مع مراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان على هامش مشاركته في "معرض عمان الدولي للكتاب"، إن اتحاد الناشرين العرب الذي تأسس عام 1962 بقرار من اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية، كان في ذلك الوقت قائما على النشر المصري واللبناني، باعتبارهما الركيزتين الأساسيتين للصناعة، لافتا إلى أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر كان الكتاب المصري يصل إلى جنوب شرق آسيا وأوروبا والمغرب وشرق أفريقيا.
وأشار إلى أنه حتى أواخر ستينيات القرن الماضي، كانت مصر تستحوذ وحدها على نحو 60% من حجم النشر العربي، وذلك في ظل غياب دور نشر عربية كبرى في باقي الدول، ما جعل القاهرة مركزا رئيسيا لتصدير الثقافة والمعرفة إلى المنطقة والعالم.
وأضاف أن مصر ما تزال تحتفظ بصدارتها من حيث عدد الناشرين المنضوين تحت عضوية الاتحاد الذي يضم 18 اتحادا اقليميا ، حيث يبلغ عدد الناشرين المصريين نحو 1500 ناشر، وهو أكبر عدد بين جميع الدول العربية.
وتطرق رشاد إلى ملف دعم صادرات الكتاب المصري، موضحا أن دعم صادرات الكتب ما زال محدودا، ويتمثل هذا الدعم في المساهمة بجزء من قيمة إيجار أجنحة الناشرين عند المشاركة في المعارض الدولية ، لافتا الى بأن القطاع الخاص، يمثل 80 إلى 85% من دور النشر المصرية.
وتحدث رشاد عن أحد الملفات المحورية التي يعمل عليها الاتحاد حاليًا، وهو إعداد قاعدة بيانات شاملة لصناعة النشر في العالم العربي، موضحًا أن العالم كله يمتلك قواعد بيانات دقيقة عن صناعة الكتاب باستثناء المنطقة العربية.
وأشار إلى أن الاتحاد يحاول من خلال مركز الدراسات والأبحاث التابع له جمع معلومات تتعلق بعدد الناشرين في كل دولة، وحجم الإصدارات، والكتب المترجمة، وأنشطة النشر المختلفة، غير أن هذا المشروع يتطلب تعاونًا واسعًا من الجهات المعنية في الدول العربية، فضلًا عن تمويل مستدام. مؤكدا أن وجود قاعدة بيانات دقيقة سيُسهم في وضع خطط واضحة لتطوير صناعة النشر وتعزيز تنافسيتها على المستوى العالمي.
وكشف رشاد عن جملة من التحديات التي تواجه صناعة النشر العربي، أبرزها ظاهرة القرصنة والتزوير، التي وصفها بأنها أخطر ما يواجه الناشرين العرب، إذ تكبدهم خسائر كبيرة وتضعف ثقة القارئ في المنتج الأصلي.
وقال إن الاتحاد يتصدى لهذه الظاهرة عبر لجنة متخصصة لحماية الملكية الفكرية، تقوم بمعاقبة المخالفين بحرمانهم من المشاركة في المعارض وفرض غرامات مالية.
وأضاف أن أزمة ضعف عادة القراءة لا تزال قائمة في المجتمعات العربية، مشيرا إلى أن بعض الدول سعت لإطلاق مشروعات لتشجيع القراءة، وفي مقدمتها المبادرة المصرية "القراءة للجميع" التي ألهمت العديد من الدول العربية لتبني مشروعات مشابهة.
ولفت إلى أن الاعتقاد السائد بأن السوشيال ميديا والكتب الإلكترونية السبب في تراجع القراءة اعتقاد خاطئ، موضحًا أن إحصائيات الاتحاد الدولي للناشرين تشير إلى أن الكتاب الورقي يحقق نموا سنويا يتراوح بين 8 و10% حتى في الدول الأكثر تقدما تكنولوجيا، حيث يربى الأطفال هناك على الارتباط بالكتاب منذ سن مبكرة.
وأشار إلى أن قلة عدد المكتبات العامة في العالم العربي تعد من أبرز العقبات أمام تنمية عادة القراءة وصناعة النشر، موضحا أن المكتبات العامة هي الرئة الأساسية للقارئ الذي لا يملك إمكانيات مالية لاقتناء الكتب، فيلجأ إليها لممارسة حقه الطبيعي في المعرفة.
ولفت إلى أن السبب الرئيسي لازدهار صناعة النشر في أوروبا وأمريكا هو انتشار المكتبات العامة، حيث يرسل الناشر نسخا من كتبه إلى هذه المكتبات قبل الطباعة، ليحصل على طلبات جماعية قد تصل به إلى نصف مليون نسخة. موضحا أن كل حي هناك يضم مكتبة عامة، يدفع المواطن اشتراكا رمزيا بينما تتحمل الدولة باقي التكاليف، مما يضمن دورة اقتصادية صحية لصناعة النشر.
وأضاف أن الدول الأكثر رفاهية تخصص مكتبة عامة لكل عشرة آلاف نسمة، بينما يفتقر العالم العربي إلى هذا النموذج، إذ لا يتناسب عدد المكتبات العامة مع حجم السكان.
وأكد أن الاهتمام بإنشاء المكتبات العامة وزيادة ميزانيات مكتبات المدارس والجامعات والمراكز الثقافية كفيل بإحداث نقلة نوعية في صناعة النشر العربي، مشيرا إلى أن الناشر العربي يعمل اليوم في بيئة صعبة لا يتناسب فيها العائد المادي مع الجهد والوقت والمال المبذول.
وأشار إلى أن التحديات لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمتد إلى ارتفاع الرسوم الجمركية على مستلزمات إنتاج الكتاب، وزيادة تكاليف النقل والشحن، إلى جانب المعاملة الضريبية التي لا تراعي أن النشر ليس مجرد نشاط تجاري بل هو "صناعة وتجارة ورسالة" في آن واحد.
وبالنسبة لدعم الناشرين الفلسطينيين، أكد رشاد أن اتحاد الناشرين العرب ظل داعما للقضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة، لافتا إلى مبادرة الاتحاد عام 2014 لتزويد المكتبات الفلسطينية بالكتب.
وكشف عن مبادرة جديدة قيد الإعداد لدعم الناشرين الفلسطينيين بعد الحرب الأخيرة، سواء بتقديم مساعدات مالية أو بإرسال كتب لتزويد مكتباتهم.
وأضاف أن ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم بحق الشعب الفلسطيني يبرهن على أن هذا الكيان لا يؤمن بالتعايش ولا يحترم المواثيق الدولية، وأن الأمة العربية ستظل متمسكة بعدالة قضيتها الأولى وهي قضية فلسطين، رافضة كل محاولات طمس الهوية أو تهجير الفلسطينيين.
وعن معرض عمان الدولي للكتاب المقام حاليا في دورته الـ 24 في العاصمة الأردنية، أشاد رشاد بحسن التنظيم وتنامي أعداد المشاركين عاما بعد عام، مشيرا إلى أن المعرض هذا العام يستضيف نحو 400 دار نشر من 22 دولة عربية وأجنبية.
وأكد أن المعرض يمثل فرصة حقيقية للقاء الناشرين والمفكرين والكتاب وتبادل الحقوق والتجارب، فضلا عن برنامجه الثقافي الحافل بالندوات وورش العمل.
وأعرب عن تقديره للتعاون بين اتحاد الناشرين الأردنيين ووزارة الثقافة وأمانة عمان الكبرى ومؤسسة عبد الحميد شومان، الذي أسهم في إنجاح المعرض، لافتا إلى أن معرض عمان بات نموذجا عربيا متميزا في تنظيم معارض الكتب.