دعا منتدى وارسو للأمن في تقريره السنوى لعام 2025 إلى اعتماد استراتيجية أوروبية موحّدة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة، مؤكّدًا أن نجاح القارة في دعم أوكرانيا سيشكّل اختبارًا لمصداقيتها ومكانتها العالمية. 

وشدّد التقرير على أن تعزيز القدرات العسكرية والمدنية الأوروبية هو شرط أساسي للحدّ من الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة والحفاظ على الأمن في الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وأوضح التقرير، والذى نشر اليوم/الاثنين/ تحت شعار "إذا انقسمنا سنسقط: كسب الحرب قبل أن تبدأ، خارطة طريق لأوروبا"، أن الناتو ظل الضامن الأساسي للأمن الأوروأطلسي على مدى 75 عامًا، لكنه يواجه تحديات نتيجة تراجع القدرات الأوروبية إثر عقود من ضعف الاستثمار الدفاعي، وهو ما أوجد اعتمادًا واسعًا على الوجود العسكري الأمريكي الذي يضم نحو 84 ألف جندي في القارة. 

وأشار إلى أن أغلب الدول الأوروبية لم تلتزم بهدف الإنفاق الدفاعي المتمثل في 2% من الناتج المحلي، مما أوجد فجوة تقدر بنحو 800 مليار دولار منذ 2014.

وفي هذا السياق، أوصى التقرير بإنشاء ائتلاف من الدول المستعدة لبلوغ نسبة 2% بحلول عام 2026، والسعي لتحقيق أهداف قمة لاهاي الأخيرة التي رفعت الطموح الدفاعي إلى مستويات أعلى خلال ثلاث إلى خمس سنوات، مع وضع خريطة طريق واضحة لتنفيذ ذلك.

كما دعا التقرير إلى تعزيز الحضور الأوروبي في الجناح الشرقي في ضوء احتمالية تقليص القوة الأمريكية مستقبلًا، وذلك عبر تكوين قدرات أوروبية بديلة مثل تشكيلات ميدانية قادرة على الانتشار السريع، مشيرًا إلى دور محتمل للواء فرنسي–ألماني في تعزيز الوجود في بولندا ورومانيا.

وفي مجال تطوير القدرات التشغيلية، شدد التقرير على ضرورة إنشاء أسطول أوروبي متعدد الجنسيات للطائرات الناقلة والمزوّدة بالوقود، وتطوير أنظمة الاستهداف المتقدّم والأقمار الصناعية العسكرية التشغيلية، إلى جانب تعزيز مخزونات الذخائر الموجَّهة بدقة والنظر في امتلاك صواريخ بعيدة المدى برية، بما يشمل قدرات هجومية مثل صواريخ "توماهوك" برية، وإنشاء وحدة جوية دفاعية قابلة للنشر السريع للاستجابة للأزمات في شرق أوروبا.

أما في الجانب البحري، فقد أشار إلى أن أوروبا تمتلك حاملات وطواقم بحرية مهمة يمكن توظيفها عالميًا، واقترح إنشاء قوة بحرية دائمة للاتحاد الأوروبي لمواجهة تهديدات مثل نشاط الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن، بالإضافة إلى تعزيز الوجود الأوروبي في المحيط الهندي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وطرح التقرير خريطة زمنية عملية، تتضمن نشر لواء أوروبي قابل للانتشار خلال 36 شهرًا ليحلّ محلّ القوات الأمريكية إذا لزم الأمر، ودمج الأقمار الصناعية في عمليات الناتو، وصولًا إلى عام 2030 حين يكون لأوروبا وضع دفاعي موحّد على الجناح الشرقي يقلّل الاعتماد على التعزيزات الأميركية الطارئة.

ولفت التقرير إلى تحديات مؤسسية وصناعية أبرزها غياب آليات إنفاذ للالتزامات المالية، والانقسامات السياسية الناتجة عن تشكيل ائتلافات متقدمة، إضافة إلى الحمائية الصناعية التي تعيق المشتريات المشتركة، ونقص القدرات البشرية واللوجستية مثل النقل الجوي الثقيل والتزوّد الجوي.

وفي الجانب المعلوماتي، اعتبر التقرير أن الفضاء الرقمي أصبح مسرحًا رئيسيًا للصراع، مستشهدًا باستطلاعات أظهرت أن 36% من المواطنين فقدوا الثقة بالمؤسسات، وأن 34% يعتبرون المعلومات المضللة تهديدًا خطيرًا، داعيا إلى إنشاء قيادات مركزية للتهديدات الرقمية، واعتماد تشريعات للسيادة الرقمية، وتأسيس وكالات متخصصة في الدفاع النفسي لمواجهة حملات التضليل وتعزيز مناعة المجتمعات.

كما أوصى التقرير بزيادة الضغط الاستراتيجي على روسيا عبر مصادرة الأصول الروسية لاستخدامها في تمويل دفاع أوكرانيا وإعادة إعمارها، وتكثيف العقوبات وتنسيقها، ورسم خارطة طريق لمسار انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي والناتو، بما يضمن تثبيت الضمانات الأمنية والسياسية.

وفي ملف الطاقة والاقتصاد، شدّد التقرير على أهمية مواءمة سياسات الانتقال الطاقي مع متطلبات الأمن والصناعة، وحماية البنى التحتية الحيوية من التخريب والهجمات السيبرانية، وإدماج معايير المرونة في خطط الاستثمار الطاقي.
وأشار التقرير - في ختام توصياته - إلى أن التحول الأوروبي نحو تقاسم أعباء الدفاع وتحسين أدوات الردع والجاهزية سيترك أثرًا يتجاوز القارة ليشمل مناطق الأزمات حول العالم، ومنها الشرق الأوسط، حيث يمكن أن تؤثر مقترحات مثل تشكيل قوة بحرية أوروبية دائمة أو بناء مخزونات ذخائر استراتيجية على أمن خطوط الملاحة والتصدي للتهديدات البحرية، فيما ستسهم القدرات الرقمية المتقدمة في الحدّ من انتشار حملات التضليل التي تستهدف السياسات والأمن الإقليمي.