وطن ينتصر: روح أكتوبر الفن والسياسة.. ورسائل إلى العدو 2025
د. طارق فهمي,
تعيش مصر بعد 52 عامًا من انتصار حرب أكتوبر مرحلة جديدة في صراعها مع إسرائيل باعتباره صراع وجود وليس فقط حدود، وهو ما برز في تأكيد السيد الرئيس بأن إسرائيل عدو، ما يؤكد على أن مصر التي حاربت وفاوضت ودخلت في صراع من أجل تحرير أرضها، هي مصر التي تقف في واجهة الأحداث في الوقت الراهن للدفاع عن القضية الفلسطينية وتخوّفًا من تصفيتها على يد حكومة دولة الاحتلال التي تريد إدخال المنطقة بأكملها في صراع سياسي وعسكري مفتوح، ومحاولة المساس باستقرار الإقليم تأكيدًا لشعارات أيديولوجية غير صحيحة، وجريًا وراء “إسرائيل الكبرى” التي تتوهم دولة الاحتلال الوصول إليها من خلال الحرب على الجبهات السبع التي أشار إليها رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو. وما تزال الحرب الإسرائيلية على غزة ماضية بهدف احتلال القطاع، وإعادة بناء سرديات مزعومة بشأن بناء “ريفييرا البحر المتوسط” أو إتمام مشروع توني بلير وغيرها من المشروعات المتعددة.
ولهذا تتعدد مساحات الخلاف والتجاذب بين مصر وإسرائيل في الوقت الراهن لجملة من الأسباب، أهمها تصميم مصر على عدم إتمام مشروع التهجير لسكان القطاع إلى الخارج، واستمرارها في ترتيب الأجواء في داخل قطاع غزة من خلال مقترحها بإدخال لجنة الدعم والإسناد التي دعت إليها مصر وتجاوبت معها حماس وفتح، وسيصدر بشأنها قرار من القيادة الفلسطينية، والعمل على عقد مؤتمر إعمار قطاع غزة بعد توقف إطلاق النار، والعمل على طرح مشروع للتنمية والبناء في قطاع غزة بعيدًا عن المشروع الأمريكي الإسرائيلي الداعي لتفريغ القطاع من عناصره، وتحويله وفق رؤية الرئيس الأمريكي ترامب إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". مع استمرار الدولة المصرية بدءًا من القيادة السياسية إلى أجهزة الدولة في التنديد بممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة، ليس فقط في قطاع غزة بل في الضفة الغربية، مما مثّل إحراجًا كبيرًا للحكومة الإسرائيلية في النطاق الدولي، وقيام مصر في الأمم المتحدة وعبر جلسات الجمعية العامة ومجلس الأمن بانتقاد، بل وتوجيه الاتهامات المباشرة للحكومة الإسرائيلية بالعمل على تصفية القضية الفلسطينية والتحرك في اتجاه تنفيذ حرب التجويع تجاه الشعب الفلسطيني.
إضافة إلى رفض مصر التجاوب الطوعي مع الإدارة الأمريكية التي تدعو بصورة مباشرة إلى تفريغ القطاع من سكانه، ولهذا توترت العلاقات المصرية الإسرائيلية وظلت في محتواها، بل وظلت الإدارة الأمريكية تتبنى نهجًا سياسيًا واستراتيجيًا معاديًا لمصر، وإن أبقت محددات العلاقات الثنائية في إطارها لأهمية مصر في الاستراتيجية الأمريكية. ولعل هذا يشير إلى استمرار التواصل المصري الأمريكي في سياقه، بل واستمرار مؤسسات التعامل تعمل في سياقها. ولهذا عقدت مناورات النجم الساطع في توقيتها، بل وتزايدت زيارات الوفود الأمريكية إلى مصر بصورة لافتة.
في هذا السياق من التطورات المفصلية، يبرز دور نصر أكتوبر واستلهام روح النصر في مواجهة ما تعمل إسرائيل على تحقيقه استثمارًا لحالة الخلل الكبرى في النظام الدولي الراهن والدعم الأمريكي اللامحدود في تأكيد "الحق اليهودي" في فلسطين، مثلما حدث في مرحلة ما قبل حرب 1973، حيث نجحت مصر في هزيمة إسرائيل وتحقيق المعادلة الصعبة، بل ودخلت في مفاوضات مفتوحة للحصول على سيناء، والتي تسعى إسرائيل في الوقت الراهن عبر خطاب شيطاني إلى تسكين الفلسطينيين فيها عبر مشروعات شيطانية على اعتبار أن دول الجوار، سواء مصر أو الأردن، عليها أن تدفع ثمن السلام.
في هذا السياق يجب أن نذكر أن مصر، ومن خلال قواتها المسلحة الشامخة، نجحت في تحقيق مكاسبها السياسية والعسكرية من خلال مفاوضات صعبة ومعقدة إلى حين توصلت مصر إلى معاهدة السلام مع إسرائيل. وقد عبر الأدب والفن المصري عن هذه الانتصارات بصورة رائعة، ترجمت روح النصر والتفوق المصري من خلال وسائل عديدة، واعتمادًا على فكرة التسويق السياسي والعسكري للنصر الكبير الذي تحقق، وترجم في نقل الرسالة إلى الأجيال الراهنة من سرد تاريخ المواجهة والحرب إلى الانتصارات الكبيرة، ومن خلال حديث المواجهة العسكرية إلى النصر في حلبة التفاوض. وقد كان وسيظل الأدب المصري والروايات الحقيقية عن تاريخ النصر واردة، وفي كل بيت في مدن القناة روايات كبيرة وعظيمة ترجمت روح النصر لوطن أبى إلا أن يمضي في سياق تحقيق الطموحات الكبرى، وهو درس للأجيال الراهنة. فالجميع يتذكر وبعمق أفلام مصر التاريخية التي أرّخت لحديث النصر بصورة كبيرة، واعتمادًا على المبدعين المصريين. ولعل سلسلة الأفلام المصرية وأدب الحرب قد حققا الكثير من النتائج الكبرى التي عاشت في أذهان المصريين. وما زال المصريون لديهم القدرة لتذكر ما جرى. ولعل أجواء حرب غزة والدور المصري والاهتمام المصري اللافت ولا يقارن بأي دولة في الإقليم هو ما يفسر سر الاهتمام الكبير بالحق الفلسطيني وبالقضية الفلسطينية التي تعتبر بالفعل قضية أمن قومي لمصر، إضافة إلى أنها مرتكز حقيقي للأمن القومي المصري. وفي هذا الإطار من تشابه ما جرى في مرحلة أكتوبر المجيدة وما قبلها وفي الوقت الراهن، ما يشير إلى أن تذكر كل مرحلة كان مرتبطًا بسياق عام لتطور الأوضاع والعلاقات مع إسرائيل، والنظر إلى هذا الكيان كما أطلق عليه السيد الرئيس مؤخرًا في مؤتمر القمة العربية الإسلامية "العدو"، في إشارة إلى ضرورة تذكير المصريين بخطورة ما يجري على طول الحدود، وأن ما يجري مرتبط بمخطط صهيوني لإعادة ترسيم المنطقة العربية وفق مخطط شيطاني حقيقي، ونزع الصفة الراهنة عن الكيان العربي. ولعل إحياء فكر الأقليات مجددًا في الإقليم ما يشير إلى هذا المخطط الصهيوني، أو الحديث عن "الدولة الكبرى" التي لا تملك مقومات حقيقية لقيادة المنطقة بدعم أمريكي بالغ ولافت.
ولهذا فإن تذكر انتصارات أكتوبر والعودة للوراء ينبغي أن يدفعنا إلى التأكيد على الخيارات الأخرى التي تعمل فيها مصر في الوقت الراهن، وترجمة الاهتمام المصري بتأريخ انتصارات أكتوبر، وهو ما سجله الأدباء والكتاب المصريون. ولعل تعبير "أدب أكتوبر" بكل ميراثه الكبير يشير إلى هذا الأمر الذي يجب أن يُنقل للأجيال في الوقت الراهن بهدف إحياء النزعة الوطنية لشباب مصر، وتأكيدا على الدور الحقيقي الذي لعبه الأدب والفن المصري في ترسيخ فكرة المواطنة وتشجيع الأجيال الصاعدة على معرفة أصول انتصارات الجيش المصري الرادع، والذي يقف اليوم في سيناء في الوقت الراهن من خلال تعزيزات عسكرية كبيرة لتأكيد الحق والسيادة المصرية الكاملة على سيناء، وعدم إعطاء الفرصة لإسرائيل لتؤكد مزاعمها في "الحق التوراتي" في المنطقة العربية وفي كل نطاقاتها السياسية والاستراتيجية.
يقف الجيش المصري في الوقت الراهن دفاعًا عن الحق المصري في قيادة الإقليم وليس فقط دفاعًا عن أرضه، فمصر لديها القدرة الرادعة والكبيرة للتعامل مع إسرائيل التي تدرك قوة مصر العسكرية، ولهذا تحاول تصدير أزمتها الكبرى لمصر وللإقليم دون أن تتذكر أن آخر حروبها الحقيقية كانت مع مصر، ونالت فيها هزيمتها الكبرى.
إن تأريخ المواجهة السابقة بين مصر وإسرائيل يدفع وبقوة لنقل رسالة إلى الجمهور العربي عامة والمصري خاصة، بأن الأدب والفن ومجالات أخرى معاونة كانت سببًا حقيقيًا ومباشرًا في تمجيد النصر الكبير، خاصة وأن الأعمال الفنية وأدب أكتوبر كانا ملهمين حقيقيين لما تم تناوله لاحقًا بعد ثورة يونيو، حيث كانت سلسلة الأفلام والمسلسلات التي أرّخت للمصريين تاريخًا متميزًا وفريدًا في إطار الحرب على الإرهاب.
في أكتوبر 2025 يجب أن نؤكد على أن مصر الكبيرة نجحت في وضع إسرائيل في إطارها، وأن أي محاولة إسرائيلية لاختبار مصر ستواجه بالكثير من الخطوات والتبعات التي لا يمكن لإسرائيل تحملها في نطاقاتها مهما كانت القوة الإسرائيلية، التي ستقف كقوة عقيمة لا يمكن أن تواجه القوة الخشنة والناعمة والذكية للدولة المصرية. وهو ما أكدته التطورات التي جرت في الإقليم قبل وأثناء حرب غزة، والتي لم تضع أوزارها بعد، مع ضرورة تذكير إسرائيل بأن هناك فارقًا كبيرًا بين مواجهة حركات المقاومة وبين الحرب مع جيش نظامي متطور ومصنّف عالميًا، وهو ما يدركه القادة الإسرائيليون بالفعل.