لا شك أن غطرسة العدو الإسرائيلي بعد حرب يونيو 67 قد دفع ثمنها غاليًا في حرب أكتوبر 73 على الجبهتين المصرية والسورية، وقد تناول الأدب الإسرائيلي موضوعات الحرب وأحداثها كموتيفات مهمة شكّلت بعض ملامح معالمه الأساسية فترة توسعه في الأرض العربية ومجابهته للمقاتل العربي صاحب الأرض الأصيل.
وحول نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على الاحتفاظ بالأرض العربية المحتلة والتي كان يُعتقد أنها الضمان الوحيد لهذا الأمن الهش، بحسب مقولة موشيه دايان حول هذه النظرية: "إن شرم الشيخ بدون سلام، خير لإسرائيل من سلام بدون شرم الشيخ". وقد تسببت هذه النظرة الضيقة لأحداث الحرب في مقتل الآلاف من الجنود الإسرائيليين وسقوط آلاف مثلهم في الأسر أثناء حرب الاستنزاف ثم أثناء حرب أكتوبر 73.
والقارئ لتفاصيل سير المعارك في حرب أكتوبر 1973 على الجبهة المصرية سيذهل من هول ما حدث في اقتحام المانع المائي لقناة السويس، والبطولات غير المسبوقة التي قام بها الجنود المصريون في هذا الاقتحام، وما فعلته الضربة الجوية الأولى على مواقع العدو في سيناء، واقتحام الجنود لخط بارليف الحصين في الشمال والوسط والجنوب، وتدمير مواقعه الحصينة. وما حققته الساعات الأولى من الحرب من نجاحات مذهلة حين بدأ العبور الجوي بحوالي مائتي طائرة من جميع المطارات، ثم بدأ تشغيل الكباري والمعديات التي بدأت في نقل أعداد كبيرة من الأسلحة من كافة الأعيرة، الخفيفة والمضادة للدبابات والرشاشات المتوسطة المضادة للطائرات وصناديق الذخيرة وغيرها من الأسلحة والإمدادات اللازمة لساحة الحرب لكل المشاركين في هذا الهجوم من مدرعات ومشاة وصاعقة ومهندسين وغيرهم من كافة الأسلحة المشاركة في القتال. لقد كان مشهد هذه الملحمة غير المسبوقة عظيمًا بجميع المقاييس، وقد أشعل هذا المشهد واستثار همم الكُتّاب من الشعراء والكُتّاب، وامتلأت الصفحات بما فعله المصريون لحظة عبورهم قناة السويس إلى الضفة الشرقية للقناة وتوغّلهم داخل سيناء. وقد أحدثت هذه الحرب هزة عنيفة وعميقة داخل الشخصية اليهودية التي أخرستها وأسقطت اليهودية في وهدة العدم، وأصبح رقم (6) يسبب عقدة أليمة لدى الإسرائيليين كما قال أنيس منصور، فلن ينسى اليهود حرب الـ 6 ساعات الأولى من اختراق خط بارليف، ويوم 6 من هذا الشهر العظيم، والصاروخ سام 6 مسقط طائراتهم، والحاسة السادسة التي ألهمت قادتنا أن يختاروا ساعة العبور يوم السادس من أكتوبر، وأن يحطموا حصون الرمال العالية بخراطيم المياه. وبدأت صورة الحياة القاتمة تبدو في عيون الإسرائيليين فجأة وبصورة غير مسبوقة بالمرة، فقد تغيّرت العقلية الإسرائيلية في ذلك الوقت، واستيقظ الأدباء في إسرائيل على الحقيقة المرّة، وأخذ الكُتّاب يراجعون أنفسهم غير مصدقين لما حدث، وبدا المستقبل غامضًا، وكان السؤال الذي فرض نفسه في تلك اللحظات الحاسمة، وحول منطق القلق القائم في كافة الأصعدة: ماذا يخبئه الغد؟
نبوءات ما بعد 67
لقد كانت هناك بعد حرب يونيو 67 نبوءات حيّة، للكثير من الشعراء والكُتّاب في إسرائيل من أن حرب الخامس من يونيو 67 على الرغم مما حققته آلة الحرب الإسرائيلية فيها، إلا أنها تُعتبر مقدمة لنهاية الذات الإسرائيلية الباحثة عن هويتها في الأرض المحتلة، بل إن الأمر كان للهوية اليهودية غير مريح عمومًا. وصدقت نبوءة شعراء الرفض في إسرائيل أمثال "يعقوب باسار"، و"صرفا هركافي"، و"إسحق شاليف"، و"يهودا عميهاي" وغيرهم من الشعراء الذين تنبأوا بأن هذا النصر المؤقت ما هو إلا هزيمة لإسرائيل. جاء ذلك في نصوص أشعار كانت تقول لقادة إسرائيل بصريح العبارة: لا تنخدعوا بهذا النصر المؤقت الذي يبدو زائفًا، فالمعركة لم تنته بعد.. والغيب يخبئ الكثير. أما كُتّاب القصة أمثال "أوزي آرياه"، و"روث ألموج"، و"هارون ميجيد"، و"ران آدلسط" وغيرهم فقد صوّروا مستقبل إسرائيل في قصص تشير إلى معنى العزلة واليأس والضياع للإنسان اليهودي في إسرائيل المحتلة أرضًا ليست أرضها. فجاءت قصصهم صريحة في رسم واقع الهزيمة. وتحققت النبوءة الحتمية في السادس من أكتوبر 73، وقد شعر كل منهم بأنه قال كلمته في حينها بصدق.. لكن.. ما هي الرؤية الواقعية لحال الأدب الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر؟ هذا هو ما ستضعنا أمامه ما قاله أدباء إسرائيل أنفسهم في ذلك الوقت، فقد كانت الإجابة في معيار النقد الصريح لإبراز السمات الواقعية التي نستشفها من كتابات شعراء إسرائيل وقصاصيها التي أكدت كتاباتهم معنى الهزيمة للحياة الإسرائيلية عمومًا.
فنجد من الشعر الإسرائيلي قصيدة الشاعر "يجئي حازاق" وهي بعنوان "كيف تقطعت الدروب" تقول أبياتها:
لا أدري.. كيف تقطعت الدروب؟
بتنا ذئابًا خلف شجيرات عجفاء
في أودية مهجورة.. نمضغ الصبار
بيداء كلها أرض إسرائيل
بوجه معتل.. أصفر
ملء بشقوق الأنهار الجافة
تطل علينا من أعلى ككتاب صلاة ساكن
وكيف لا نصل.. فإننا لن نصل
كيف تقطعت السبل وأصبحت جداول جافة؟
هذا النموذج الذي يبكي الحياة الإسرائيلية بعد الحرب تطفح أبياته بالمأساة. مأساة الضياع للكيان الإسرائيلي.. حيث لا أمل بعد يُرتجى، فكل ما قاله شعراء إسرائيل وقتئذ إنما كان نعيًا للحياة الضائعة، لذلك بدا الشعر الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر وقد تمثّل في تشنجات احتضار، وتراتيل بكائية يغلفها الانكسار.
والقارئ للقصة الإسرائيلية بعد حرب أكتوبر يجد أيضًا أن هناك مفارقة كبيرة بينها وبين ما كان سائدًا قبل الحرب، فقد كان السرد القصصي قبل الحرب يتسم بنزعة العنصرية والتمايز بالجنس، وهذه النزعة المفتعلة في منهج السرد الإسرائيلي أصلتها سياسة المؤسسة العسكرية التي تمثلت في منطلق الغطرسة وعنجهية القوة. ومن أعمدة أدب العنصرية كانت "يائيل ديان" ابنة موشيه دايان التي انتهت كتاباتها بنهاية أسطورية أبيها يوم السادس من أكتوبر، وجاء على شاكلتها الكثير من أدباء السرد المصنوع في قوالب عنصرية. وقد أسس هذه المدرسة العنصرية "حاييم هزاز" زعيم كُتّاب إسرائيل.
أما ما يُقال عن السمة المغايرة في منحى القصة الإسرائيلية فيتحقق ذلك من القالب الواقعي الذي يُقرّ الهزيمة صراحة، فنجد "أهارون ميجيد" يصوّر مأساة الضياع للهوية اليهودية المفقودة في قصة "حديقة من الصخور". كذلك يهودية الكاتبة "هاندل" في قصتها "ليلة صاخبة" حيث تؤكد على معنى الانهيار الحتمي للحياة الإسرائيلية. ويصوّر القاص "أبراهام بن موشيه" الوجود الإسرائيلي الخاطئ في أرض فلسطين وذلك في قصة "ثوم". أما الكاتب "شي معور" فيُجسّد الحياة بصورتها القاتمة، حيث الانهيار الأسري والتفكك الطائفي في المجتمع الإسرائيلي، وذلك من خلال هذا المجتمع الغريب الذي أفرزته حرب أكتوبر بمساوئه حتى بدا الواقع على سطح الحياة كأسمال بالية.
أما عن قصص الحرب الخاسرة فكانت على سبيل المثال في قصص "يوساي جمزو" مكنسة على الصاري، و"جدعون تلباز" في قصة لا لون للخوف، وغيرها من القصص التي تسخر من الحرب وتدمغ مشعليها باللاعقلانية، ذلك لأن الحرب أتت بنتائج عكسية على الحياة الإسرائيلية. إلا أن هناك مجموعة قصصية شغلت الرأي العام الإسرائيلي، حيث أوضحت ما يتهدد المجتمع اليهودي في كل لحظة من لحظات حياته، وهي مجموعة ألوان من العذاب للكاتب اليهودي "إسحق باشفيس سنجر"، والتي تشير إلى أن الكيان اليهودي قد مزقته النازية، وها هو قد تمزق مرة أخرى بحرب السادس من أكتوبر. وكانت إحدى قصص المجموعة، وهي قصة الفتاة "هانكة"، تشير إلى هذا الضياع. فهي تبحث عن ثيابها التي هي صلب هويتها فلم تجدها، وتظل تحاور أستاذًا جامعيًا يحاضر في علم الأرواح للحاضرين، وكان محور تساؤلاتها المستمرة: إن اليهود قُتل منهم كثيرون في الحرب العالمية الثانية، ومن قبل إبان محاكم التفتيش في إسبانيا، واليوم لقي الكثير حتفهم في حرب الغفران (أكتوبر 73)، فماذا تبقى؟ إن أرواح اليهود يجب أن تُبعث لتقتص من قاتليها.. ولم يُعر الأستاذ المحاضر تلك الفتاة التفاتًا لأنها - في رأيه – تهذي بعبارات غير عاقلة، وحين سأله أحد الحاضرين عن حقيقتها قال: إنها من الجان، وأنه يجب ألا تلتفتوا إليها حتى لا تُضيّعوا وقتكم معها.
إن مثل هذه القصص يُثير قضية الضياع للذات اليهودية في سردية العدم وفي هذا الانصهار، وقد أفرزت حرب أكتوبر 73 كوامن الشخصية اليهودية التي باتت تبحث لنفسها عن المستقبل الذي تتصوره في بؤرة العدم. الحرب التي أحدثت هزة شديدة في الكيان الإسرائيلي ليست هي آخر الحروب، وكيف وكُتّاب القصة في إسرائيل يجسدون الواقع الأليم للغد في صور تحمل مؤشرات الضياع الأبدي؟ وكان على الأدب الإسرائيلي وقتئذ أن يكون صادقًا مع رجل الشارع في إسرائيل، ذلك لأن الحقيقة لم تعد خافية بعد ما بدت التشققات المتلاحقة، والتي تنذر بانعدام الترابط بين عناصر هذا المجتمع الذي كان مشتتًا ثم جمعته القوى الاستعمارية لمصلحتها العليا.
وقال "ديفيد لازار" أحد النقاد في إسرائيل إن الأدب الإسرائيلي بعد حرب الغفران (أكتوبر 73) بات يُخاطب الإسرائيليين بالحقيقة المُرّة بعد ما جرب الملاحة والخوض سنوات طويلة في بحار صعبة. (2)
وقد تركت حرب السادس من أكتوبر أثرًا سلبيًا لا يُمحى في نفوس الكُتّاب والشعراء الإسرائيليين، وظهرت بعض المصطلحات المصاحبة لهذا الجانب الدال على الفشل في نظرية التوسع الإسرائيلي على حساب الجانب العربي، وهي النظرية التي حاول العدو تطويرها في تعامله مع الواقع العربي، خاصة بعد آثار صدمة الحرب التي صاحبت أحداث حرب أكتوبر 73. وقد نشر أحد الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب في مجلة باماحنيه التابعة للجيش الإسرائيلي قصيدة تسخر من إحدى الأغاني المشهورة التي كانت تُذاع كثيرًا في ذلك الوقت، وكانت كلمات القصيدة تقول:
"كنت طفلة صغيرة أثناء الحرب عام 1948، عندما غنيت لي: أعدك أن الأمور ستكون على ما يرام، ارتديت الزي العسكري، وألفت لي أغنية، ووعدتني أن هذه هي الحرب الأخيرة. قلت لي وقتها: سترين يا صغيرتي، إن هذه ستكون آخر حرب لنا. ومرت بضع سنين، وعدت ثانية للحرب في معارك سيناء في حرب 1956، ومرة أخرى كتبت لي أغنية ذاع صيتها، واشتريت أسطوانتها. وعندما قامت حرب 67، عدت إلى وعودك المتكررة وقلت: مرة أخرى سترين يا صغيرتي، إن هذه ستكون بلا شك آخر الحروب. وذهبت مرة أخرى إلى الحرب والدماء، وكتبت قصيدة جديدة، متفائلة وبريئة، طُبعت على الفور في كل دواوين الشعر، ووعدتني مرة أخرى وقلت: سترين يا صغيرة، إن هذه ستكون الحرب الأخيرة. وعندما وصلنا إلى أكتوبر 73، سارعت مرة أخرى – وأنت منتشٍ – إلى تأليف المزيد من القصائد، وحينئذ قلت لي: يا طفلتي الصغيرة.. وهنا، لم أعد أصدق، خاصة وأنا الآن كبيرة. إن كان لا بد أن نحارب فلنفعل ذلك، ولكن على الأقل يمكنك أن تتوقف عن كتابة القصائد وإطلاق الوعود".
وفي مجال السرد الإسرائيلي تم حصر ثماني روايات تتحدث عن حرب أكتوبر، مثل رواية حرب جميلة (1974) للكاتب "دان بن آموتس"، حيث زعم أنه تلقى بعد الحرب بفترة بسيطة طردًا به وثائق مكتوبة بخط اليد، كتبها صديق له وهو جندي لقي مصرعه في الحرب. ويذكر أن الطرد كان به مقالة نقدية، وقصة، ورواية، وخطاب شخصي من الجندي إلى الراوي، يطلب منه نشر ما يحتويه الخطاب. ويتعاطف الراوي مع ما يتضمنه الطرد من وثائق، ويقرر على الفور نشرها بعد إعادة تحريرها وتدبيجها مرة أخرى. ويستخدم الراوي القصة كمحور لهذا العمل، ويضيف ويُعدّل فيها حتى تتلاءم مع مجريات النشر. ويخصص الراوي أغلب المادة الروائية لوصف مشاهد الحرب، وطرح أفكار ومشاعر تُثيرها تلك الحرب لديه، خاصة ما يخص الحياة والموت والفلسفة المتعلقة بهذا الجانب، وما يتناقله الناس والإذاعات ووسائل الإعلام في إسرائيل والعالم.
أما رواية العاشق (1977) للكاتب "إبراهام يهوشواع" فتتناول قصة الإسرائيلي "آدم" الذي يبحث عن عشيق زوجته ويدعى "جبرائيل" الذي فُقد ولم يُعثر عليه منذ أن سلم نفسه كجندي احتياط إلى الجيش أثناء الحرب، دون أن يرد إليه طلب استدعاء. وقد فعل جبرائيل ذلك تحت ضغط معنوي من أسرة "آدم"، الذي قام باصطياده ليكون عشيقًا لزوجته مستغلًا حاجته المادية. وقد سلم جبرائيل نفسه إلى منطقة التجنيد على الرغم من أنه لم يسجل نفسه في مراكز تسجيل المجندين الجدد وقت قدومه إلى إسرائيل، ويجسد الحدث الأسابيع التالية لحرب أكتوبر وما حدث فيها لجبرائيل حتى مقتله أثناء الحرب.
وفي رواية ملاذ (1976) للروائي "سامي ميخائيل"، تتناول الرواية العلاقة بين أعضاء خلايا الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي يضم عربًا ويهودًا في حيفا في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، مع شرح مواقفهم المتناقضة منها. وفي أحداث الرواية يطلب "مردوخ" اليهودي العراقي من زوجته "شولا" عشية عيد الغفران استضافة اثنين من أصدقائه العرب الأعضاء معه في الخلية التي ينتمي إليها كنوع من الانتماء حيال بني جنسه.
وثمة رواية أخرى هي ريش (1979) للكاتب "حاييم بئير"، وتُعتبر هذه الرواية من قبيل أدب السيرة المدون بها بعض الذكريات التي تتناول الهوة التي تفصل بين المثاليات وبين الواقع السياسي لدولة إسرائيل بعد حرب أكتوبر، من وجهة نظر جندي عاصر مرحلتي السلم والحرب. وجسدت الرواية وجهة نظره تجاه ما حدث قبل الحرب وما بعدها، وكان من صميم عمله أثناء العمليات العسكرية البحث عن جثث جنود جيشه الذين قُتلوا في معارك منطقة فنارة. وكانت أحداث هذه المنطقة تظهر في أحلامه كالكابوس. ويفاجأ هذا الجندي عندما يكتشف أن إحدى الجثث التي انتشلها من مياه القناة هي جثة ابن صديق أسرته، وأن قتلى الحرب ليسوا مجرد أرقام ترد في إحصائيات وبيانات وزارة الدفاع فحسب. وكانت صدمته في هذا الجانب سببًا في إفاقته من واقعه الذي كان يعيشه ويعايشه أثناء أحداث المعارك.
وفي رواية رحلة في أغسطس (1980) للكاتب "أهارون ميجيد"، تعالج الرواية حكاية "دانيئيل لفين" الذي سافر إلى الولايات المتحدة بعد مقتل ابنه الأكبر "نوتي" في حرب أكتوبر، ثم اضطر إلى العودة إلى إسرائيل مرة أخرى للبحث عن ابنه الأصغر "جيدي" الهارب من الخدمة العسكرية. وأثناء البحث عن الابن المفقود يجد الأب نفسه يسير في نفس مسار الرحلة التي قطعها من قبل إلى ميدان القتال، وهو نفس الطريق الذي لقي فيه ابنه الكبير مصرعه.
وفي رواية الصحوة الكبرى للكاتب "بيني برباش"، تتناول الرواية شهادة العقيد "إيلي هانجبي" أمام لجنة التحقيق العسكرية التي تحقق في خطأ ارتكبه العقيد أثناء المعارك في الحادي عشر من أكتوبر 73، وكان سببًا في فقد عدد كبير من جنوده أثناء المعركة.
وفي الرواية السيرية زهور إلياهو للكاتب "سين يزهار"، وهي تجري في الأسبوع الأخير من الحرب على الجبهة المصرية في منطقة الدفرسوار التي عُرفت في وقت لاحق بـ"الثغرة"، حاول فيها الكاتب إكساب أحداثها طابعًا سرديًا من خلال البحث عن صهره "إلياهو" كجزء من أحداث الرواية. وتبدأ الرواية بالسؤال عن مكان إلياهو، وتنتهي باللقاء بين الطرفين وما حدث لهما أثناء تلك الفترة من أحداث ترتبط ارتباطًا كبيرًا بالحرب.
أما الرواية الأخيرة فهي علامة التنشين للكاتب "حاييم سباتو"، وهي رواية ذكريات أيضًا، تتناول الأيام الثلاثة الأولى من الحرب على الجبهة السورية. ويصف فيها الكاتب كيف دمّر السوريون الدبابات الإسرائيلية كالحشرات في الهجوم الأول.
وتحكي الرواية قصة البحث عن "دوف" صديق الراوي الذي لقي حتفه. وتنقسم الرواية إلى قسمين: القسم الأول يُجسد الذهاب إلى الجبهة، والقسم الثاني يُجسد ما حدث في الأيام الثلاثة الأولى من المعارك والتي يحكيها جنود الفصيلة للمحققين، وهي عبارة عن محكيات موثقة لمعارك الجبهة، وتوضح هذه القصة مدى تخاذل الجنود الإسرائيليين والتخبط الذي وقع فيه قادة ألويتهم، والبطولات التي أبداها الجنود السوريون في الأيام الأولى للحرب قبل التدخل الأمريكي لمساعدة الإسرائيليين.
لقد شكّلت الرواية الإسرائيلية التي صدرت بعد حرب أكتوبر مسارًا جديدًا للأدب الإسرائيلي، حيث دائمًا ما يُرمز لأدب ما بعد الحرب بأدب الأطلال والدمار، والكلمة تنسحب على دمار النفوس وأطلال الإنسانية المحطمة الحاصلة بعد المعارك وما حدث فيها من قيم ومثاليات منهارة. وهو ما حدث بالفعل للمجتمع الإسرائيلي بعد حرب الغفران 73، وما جسّدته الرواية الإسرائيلية في نصوصها الصادرة بعد الحرب.