رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


معرض دمنهور الثامن للكتاب يشهد ندوة ثقافية بعنوان "الذكاء الاصطناعي والإبداع الأدبي"

4-10-2025 | 14:59


جانب من الندوة

بيمن خليل

 شهد معرض دمنهور الثامن للكتاب، الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب بمكتبة مصر العامة بدمنهور، ندوة ثقافية موسعة بعنوان «الذكاء الاصطناعي والإبداع الأدبي»، أدارها الناقد الأدبي الدكتور كمال اللهيب، بمشاركة المهندس زياد عبد التواب، خبير التحول الرقمي وأمن المعلومات وعضو المجلس الأعلى للثقافة، والمستشار الدكتور محمد طلعت سعيد، الرئيس بمحكمة الاستئناف الاقتصادية، والكاتب والروائي كرم الصباغ.

استهل الدكتور كمال اللهيب حديثه بالتأكيد على أن رحلة الإنسان مع الاكتشاف والابتكار بدأت منذ فجر البشرية، وأنه في سعيه الدائم للسيطرة على الطبيعة، توصل إلى العديد من الاختراعات التي غيّرت وجه التاريخ، حتى جاءت الثورة الصناعية لتفتح الباب أمام عصر جديد من التطور المتسارع، وصولًا إلى الثورة الرقمية التي نعيشها اليوم، والتي أنجبت الذكاء الاصطناعي (AI).

وأضاف أن الذكاء الاصطناعي لا يمثل مجرد خطوة تقنية جديدة، بل لحظة مفصلية في مسيرة الحضارة الإنسانية، إذ سيعيد تشكيل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويؤثر في أنماط التفكير والإبداع، مشيرًا إلى أن الحياة قبل الذكاء الاصطناعي ليست كما بعدها.

وأوضح اللهيب أن هذه التقنية قادرة على تحليل البيانات الضخمة وإنتاج محتوى متقن يعتمد على ما تغذيه به البشرية من معلومات، لكنها في جوهرها تعتمد على المحاكاة لا الابتكار، مؤكدًا أن “من الممكن أن يكون هناك ذكاء اصطناعي، لكن لا يمكن أن يكون هناك عبقرية اصطناعية”، لأن الإضافة النوعية إلى المعرفة الإنسانية ستظل حكرًا على العقل المبدع القادر على تجاوز المألوف وابتكار الجديد.

أما المهندس زياد عبد التواب، فتناول في كلمته التطور التاريخي للذكاء الاصطناعي منذ خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم، مشيرًا إلى أنواعه المتعددة مثل التعلم الآلي، والتعلم العميق، والذكاء الاصطناعي التوليدي، والتوكيدي، والعام، موضحًا أن هذه التقنيات أحدثت ثورة في مجالات متعددة من الطب والتعليم والصناعة والإعلام، كما امتدت تأثيراتها إلى المجال الأدبي والإبداعي.

وأشار عبد التواب إلى أن الذكاء الاصطناعي، رغم مزاياه، يحمل مخاطر واضحة، منها التحيز في البيانات، ونقص الدقة، وخطورة الاعتماد الكامل عليه، خصوصًا بالنسبة للنشء والشباب، كما حذر من التحديات الأخلاقية والقانونية المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية للمحتوى الذي تنتجه الآلات.

ودعا إلى ضرورة وضع مواثيق أخلاقية وتشريعية تنظم العلاقة بين الإنسان والآلة في مجالات الإبداع، وتضمن الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنيات الحديثة في الثقافة والفنون.

ثم تناول الكاتب والروائي كرم الصباغ موضوع “الأدب والذكاء الاصطناعي: التطور والإنجازات والمخاطر”، موضحًا أن الذكاء الاصطناعي غيّر ملامح العديد من المجالات، والأدب ليس استثناءً من ذلك. فقد أصبحت الخوارزميات قادرة على إنتاج نصوص شعرية وسردية متقنة من حيث اللغة والتركيب والأسلوب، بل وبلغت درجة من التناسق جعلت البعض يتساءل: هل يمكن أن يُستغنى عن الكتّاب البشر؟

وأشار الصباغ إلى أن الذكاء الاصطناعي أحرز بالفعل إنجازات لافتة في هذا المجال، مثل رواية “1 the Road” التي كتبتها خوارزمية تكريمًا للكاتب الأمريكي جاك كيرواك، إلا أن هذه النجاحات لا تخلو من حدود واضحة، أبرزها غياب الحس الإنساني والعاطفة التي تمنح الأدب معناه وقيمته. فالآلة تستطيع توليد الكلمات، لكنها لا تستطيع أن تشعر بها، ولا أن تلامس الوجدان أو تعبّر عن التجارب الإنسانية العميقة.

وأوضح الصباغ أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تعتمد على قواعد بيانات قديمة، مما يجعل إنتاجها الأدبي أقرب إلى تكرار الأنماط الموجودة دون القدرة على الابتكار أو كسر المعايير الأدبية القائمة، على عكس الكاتب البشري الذي يستطيع أن يجدد، ويخترق القوالب، ويستجيب لتغيرات المجتمع والوجدان.

وأضاف أن بعض النقاد يرون في الذكاء الاصطناعي فرصة مساعدة للكتّاب لا تهديدًا لهم، إذ يمكن استخدامه كأداة لتحسين النصوص وتحليلها، أو توليد أفكار أولية تساعد المبدعين على تطوير أعمالهم، شرط الالتزام بالأمانة الفكرية وعدم نسب ما تنتجه الخوارزميات إلى النفس. وأكد أن “المبدع الحقيقي الذي يمتلك مشروعًا وصوتًا أدبيًا خاصًا لن يخشى الذكاء الاصطناعي، لأنه لا يسعى إلى أن يكون صدى لغيره، بل إلى التعبير عن ذاته وتجربته”.

من جانبه، قال المستشار محمد طلعت سعيد: "لا شك أن التصارع بين الآلة والإنسان أفرز الذكاء الاصطناعي الذي يحتاج إلى معايير أخلاقية لضبط استخداماته وضمان تحقيق الفائدة منه، منها الشفافية والمساواة وعدم التمييز، وإمكانية المساءلة عن أضراره، وحماية البيانات الشخصية.

ولقد ساهمت مصر في وضع المعايير الأخلاقية لليونسكو التي أُقرت عام 2021، إلا أنه ورغم الجهود الدولية، ما زالت المسؤولية القانونية تجاه استخداماته تقتصر على المصنع أو المالك أو المبرمج أو المستخدم، سواء كانت مسؤولية جنائية أم مدنية، وسيكشف المستقبل عن مدى تقبّل منح الروبوت شخصية إلكترونية مستقلة تكون لها ذمة قانونية، ومن تصوراتها صندوق تعويضات عن أضراره المحتملة".

واختتمت الندوة بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي، رغم تطوره المذهل، لن يحل محل الإبداع البشري، بل سيبقى شريكًا مساعدًا في تطوير الأدوات والرؤى، وأن جوهر الأدب سيظل مرتبطًا بالوجدان والعاطفة والتجربة الإنسانية التي لا يمكن محاكاتها رقميًا.