رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


استعادة السيادة الصناعية

5-10-2025 | 13:37


عمرو سهل

يمثل تطوير ورفع كفاءة الأصول في الشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية حدثا يتجاوز حدود الصناعة الدوائية ليصبح رمزا لنهج وطني جديد في إدارة مقدرات الدولة نهج يقوم على التحول من الحفاظ السلبي على الأصول إلى استثمارها وتنميتها وتحويلها إلى أدوات إنتاج فعالة ومؤثرة في الاقتصاد الوطني فرمزية هذا الحدث لا تكمن في افتتاح خطوط إنتاج جديدة فحسب بل في استعادة فلسفة الإنتاج الوطني التي طالما كانت ركيزة في بناء الدولة الحديثة وإعادة الاعتبار لصناعة الدواء بوصفها مكونا من مكونات الأمن القومي وتطوير المصانع التابعة للقابضة للأدوية يعبر عن نهج استنهاضي شامل يستهدف تحويل الأصول المادية المتقادمة إلى منصات إنتاج ذات قدرة تنافسية إنه تعبير عن رؤية تؤمن بأن الدولة ليست متفرجا على السوق بل شريك فاعل يسعى إلى بناء صناعة قادرة على تلبية احتياجات المواطنين وتعزيز الاكتفاء الذاتي فحين تتحول خطوط الإنتاج القديمة إلى وحدات متطورة مطابقة لمعايير التصنيع الجيد المعروفة بـ" GMP " وتفتح أمامها أسواق التصدير الجديدة تتجلى رمزية الحدث كعودة واعية لمفهوم السيادة الصناعية حيث يصبح الدواء أداة استقلال لا سلعة تجارية فحسب.

وفي عمق هذا التطوير يكمن تحول في فلسفة الإدارة الاقتصادية فإصلاح الشركات القابضة لم يعد مرادفا للخصخصة أو البيع بل لإعادة توظيف أصولها على نحو أكثر كفاءة وربحية وإن إعادة هيكلة الشركات التسع التابعة وتوحيد هويتها المؤسسية وتطبيق نظم تخطيط الموارد تعبر عن توجه رمزي نحو تأسيس نموذج جديد للقطاع العام الإنتاجي يقوم على الاحترافية والمساءلة ويوازن بين الجدوى الاقتصادية والبعد الاجتماعي وهذه النقلة تشير إلى مرحلة وعي اقتصادي جديد تعتبر أن استدامة المؤسسات العامة لا تتحقق بالدعم بل بالكفاءة والإنتاجية والقدرة على المنافسة ومن أبرز أبعاد هذا الحدث رمزيته في تحقيق الأمن الدوائي الذاتي إذ يعكس قدرة مصر على إنتاج مستحضراتها الأساسية والبيولوجية والهرمونية داخل حدودها والحد من التبعية للموردين الخارجيين فتوطين الصناعات الحيوية مثل الإنسولين والمكونات الدوائية الفعالة يعيد تعريف الدور الوطني لهذه المؤسسات ويجعل من الصناعة الدوائية ذراعا سيادية في الحفاظ على صحة المواطن واستقرار السوق إنها رمزية الاستقلال الإنتاجي التي تمتد إلى البعد الإقليمي حين تصبح الشركات المصرية قادرة على التصدير لأسواق عربية وإفريقية مستفيدة من سمعة الدواء المصري التاريخية وجودته المعتمدة ولا يقتصر التطوير على تحديث البنية الإنتاجية بل يمتد إلى رفع كفاءة العنصر البشري والمعرفي فاعتماد نظم إدارة متكاملة وتدريب العاملين وتأهيلهم يمثل بعدا رمزيا للانتقال من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد المعرفي وبهذا المعنى فإن الاستثمار في التدريب وتطوير القدرات يعادل الاستثمار في خطوط الإنتاج لأنه يخلق ثقافة جديدة داخل المؤسسة العامة؛ ثقافة قائمة على الإبداع والانضباط والمساءلة، وهي القيم التي تشكل أساس النهضة الصناعية الحديثة.

ولعل الأرقام التي رافقت عملية التطوير تحمل بدورها رمزية التحول من العجز إلى الفائض ومن التراجع إلى النمو فارتفاع الأرباح وتضاعف الصادرات وتوسع قاعدة المنتجات المسجلة دوليا كلها مؤشرات لا تعبر فقط عن نجاح مالي بل عن تحول ثقافي في طريقة إدارة الشركات الحكومية وأن الكفاءة ممكنة في القطاع العام حين تتوفر الإرادة والرؤية والحوكمة الرشيدة حيث يأتي تطوير ورفع كفاءة الأصول في إطار أوسع من مشروع وطني لإحياء الصناعة المصرية فالمعامل والمصانع التي أعيد تأهيلها هي امتداد لتاريخ بدأ منذ منتصف القرن العشرين حين كانت مصر من أوائل دول المنطقة التي أنشأت صناعة دوائية وطنية واليوم يعود هذا القطاع ليؤكد حضوره ضمن استراتيجية الدولة في بناء قاعدة إنتاجية قوية قادرة على دعم الأمن الصحي وتوفير العملة الصعبة وفتح أسواق جديدة حيث تتحول تجربة الدولة في التصنيع من إرث تاريخي إلى مشروع مستقبلي فما يجري ليس مجرد عملية تحديث صناعي بل تجسيد لفلسفة تنموية متوازنة ترى أن جودة الحياة لا تتحقق إلا بوجود اقتصاد منتج قادر على تأمين الدواء الآمن وبسعر عادل..إن تطوير ورفع كفاءة الأصول في الشركة القابضة للأدوية رمز لنهج الدولة في إعادة بناء الذات الإنتاجية واستعادة الثقة في قدرتها على المنافسة والإبداع ورمز إلى الانتقال من مرحلة الإصلاح الإداري إلى مرحلة التجديد الهيكلي والفكري من إدارة الأزمة إلى صناعة المستقبل ومن الاعتماد على الخارج إلى تحقيق الاكتفاء والسيادة في أحد أهم قطاعات الأمن القومي في إطار نهضة وطن يسير بخطى واثقة نحو تمكين ذاته بإرادة إنتاجية ومعرفية متجددة.