تُقام اليوم في مملكة البحرين الاحتفالية الإقليمية الخاصة بـ اليوم العالمي للحد من مخاطر الكوارث، التي ينظمها مكتب الأمم المتحدة الإقليمي للدول العربية للحد من مخاطر الكوارث بالتعاون مع جامعة الدول العربية وحكومة البحرين، وذلك خلال الفترة من 14 إلى 16 أكتوبر الجاري، تحت شعار "تمويل القدرة على الصمود.. وليس الكوارث"، في وقت يشهد فيه العالم تصاعدًا حادًا في الكوارث الطبيعية وتزايدًا في خسائرها البشرية والاقتصادية.
وتأتي احتفالية هذا العام لتكون الفعالية الإقليمية الأبرز في العالم العربي ضمن فعاليات الأمم المتحدة الخاصة بالمناسبة الدولية، حيث تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية تمويل المرونة وبناء القدرات الوقائية في مواجهة الكوارث، باعتبارها ركيزة أساسية لحماية التنمية المستدامة في المنطقة، وتعزيز الجاهزية لمواجهة التغيرات المناخية المتسارعة.
ويُشارك في الاحتفالية ممثلون عن الحكومات العربية، والمنظمات الإقليمية والدولية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، إلى جانب عدد من الخبراء والمختصين في إدارة الكوارث وتغير المناخ، لمناقشة آليات تعبئة التمويل وتحفيز الاستثمار في الوقاية والبنية التحتية القادرة على الصمود.
وأكد الدكتور ريدان السقاف نائب رئيس مكتب الأمم المتحدة الإقليمي للدول العربية للحد من مخاطر الكوارث، أن القدرة على الصمود ليست شعارًا، بل استثمار في المستقبل يضمن استدامة التنمية وحماية الأرواح والممتلكات".. مشيرا إلى أن المنطقة العربية تمتلك الإرادة السياسية والمعرفة الفنية لتقليل الخسائر الناتجة عن الكوارث، لكن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه الإرادة إلى استثمارات ملموسة في الوقاية والجاهزية.
وقال السقاف، إن الاحتفال هذا العام يأتي في لحظة حاسمة، حيث تتزايد الكوارث المناخية في العالم بوتيرة غير مسبوقة، وتبلغ تكلفتها الاقتصادية المباشرة أكثر من 200 مليار دولار سنويًا، بينما تشير التقديرات الواقعية إلى أن التكلفة الحقيقية تفوق ذلك بنحو أحد عشر ضعفًا لتصل إلى 2.3 تريليون دولار سنويًا، وفقًا لتقرير التقييم العالمي للحد من مخاطر الكوارث لعام 2025 الصادر عن الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن الدول النامية هي الأكثر تأثرًا بهذه الخسائر نتيجة ضعف بنيتها الاقتصادية وقلة الاستثمارات الوقائية، فيما تتحمل الدول العربية نصيبًا متزايدًا من الأعباء، إذ بلغت خسائرها الاقتصادية خلال العقود الخمسة الماضية ما يقرب من 60 مليار دولار أمريكي، بينما تتجاوز الخسائر السنوية في شمال إفريقيا وحدها 2.3 مليار دولار نتيجة تضرر البنية التحتية والمباني.
وأوضح أن اليوم العالمي للحد من مخاطر الكوارث لهذا العام يركز على التحول من الاستجابة إلى الاستثمار المسبق، ومن تمويل الأزمات إلى تمويل القدرة على الصمود، مؤكدًا أن الوقاية هي الاستثمار الأكثر جدوى على المدى الطويل، لأنها توفر أضعاف ما يُنفق عند وقوع الكوارث.
وبيّن التقرير الأممي، أن الحكومات حول العالم تخصص أقل من 1% من ميزانياتها العامة لمشروعات الحد من مخاطر الكوارث، وهو ما يغطي فقط ما بين 10 و25% من الاحتياجات الفعلية، في حين لم يشهد التمويل الدولي المخصص للدول النامية زيادة تتناسب مع حجم التحديات، كما انخفضت نسبة التمويل الإنساني الموجه للاستعداد والوقاية من الكوارث من 3.6% بين عامي 2015 و2018 إلى 3.3% بين عامي 2019 و2023، ما يبرز اتساع فجوة التمويل التي تعيق تنفيذ إطار عمل سنداي للحد من مخاطر الكوارث.
وفي السياق.. أكد نائب رئيس مكتب الأمم المتحدة الإقليمي للدول العربية للحد من مخاطر الكوارث، أن هذه الاحتفالية في البحرين تمثل منصة محورية للحوار الإقليمي حول سبل دمج اعتبارات المخاطر في السياسات الاقتصادية والتنموية، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار الواعي بالمخاطر، خاصة أن هذا القطاع يستحوذ على نحو 75% من إجمالي الاستثمارات العالمية، ما يجعله شريكًا أساسيًا في بناء بنية تحتية مرنة واقتصادات قادرة على التعافي.
وشدد المكتب على أن شعار هذا العام "تمويل القدرة على الصمود.. وليس الكوارث"، يستند إلى نتائج منتدى أوسلو للسياسات الذي دعا إلى زيادة التمويل المخصص للحد من مخاطر الكوارث وضمان أن تكون جميع الاستثمارات التنموية مستندة إلى تقييمات دقيقة للمخاطر.. منوها بأن هذه الدعوة تتكامل مع الجهود العالمية المرتقبة في عام 2025، ومنها المنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث، والمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، واجتماعات مجموعة العشرين برئاسة جنوب إفريقيا، التي تضع ضمن أولوياتها معالجة التحديات المناخية وتمويل التكيف مع آثارها.
وسلط التقرير الضوء على مجموعة من التجارب الدولية الملهمة التي أثبتت جدوى التمويل الواعي بالمخاطر، من بينها تجربة الهند التي خصصت نحو 28 مليار دولار لتمويل الحد من الكوارث، ومن المقرر أن ترفع هذا الرقم إلى 42 مليار دولار عام 2026، وتجربة الفلبين التي رفعت ميزانيتها الوطنية للصندوق المخصص للحد من الكوارث إلى 368 مليون دولار، كما واصلت أستراليا زيادة تمويلها لبناء القدرة على التكيف في منطقة المحيط الهادئ بنسبة 2.75%، بينما أطلقت بوتان خطة وطنية للبنية التحتية القادرة على الصمود بدعم من الأمم المتحدة، وحدثت رواندا استراتيجيتها للنمو الأخضر ضمن رؤيتها 2050.
وفي السياق ذاته، أشار المكتب إلى أن تشيلي تُعد نموذجًا عالميًا في تطبيق قوانين إلزامية للبناء المقاوم للزلازل، ما أدى إلى إنقاذ آلاف الأرواح وتقليل الخسائر الاقتصادية، بينما تبنت مؤسسات استثمارية مثل "Octopus Investments" مبادئ الاستثمار المرن الموصى بها من الأمم المتحدة لتوجيه قراراتها في مجالات الطاقة المتجددة.
وأكد المكتب، أن احتفالية البحرين تأتي في توقيت بالغ الأهمية، إذ تشكل جسرًا بين العمل المناخي والحد من المخاطر، وتمهد للإسهامات العربية في مؤتمر المناخ COP30 المقرر عقده في البرازيل نهاية العام الجاري، مشددًا على أن تمويل القدرة على الصمود يمثل ركيزة أساسية لأي تحول أخضر حقيقي ومستدام.
واختتم الدكتور ريدان السقاف تصريحاته بالتأكيد أن المنطقة العربية قادرة على أن تكون نموذجًا عالميًا في إدارة المخاطر إذا ما جرى توجيه التمويل إلى الوقاية والتخطيط المسبق"، داعيًا إلى شراكة أعمق بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتعزيز الاستثمار في الصمود وحماية مكتسبات التنمية للأجيال القادمة.