رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


رفاعة الطهطاوي.. رائد التنوير الذي فتح باب مصر على العالم

15-10-2025 | 04:00


رفاعة الطهطاوي

فاطمة الزهراء حمدي

في زمنٍ كانت فيه مصر تخطو أولى خطواتها نحو النهضة الحديثة، بزغ اسم سيصبح علامة مضيئة في تاريخ الفكر العربي والإسلامي، إنه رفاعة رافع الطهطاوي، العالم الأزهري والمفكر المستنير الذي أدرك مبكرًا أن طريق القوة يبدأ من المعرفة، وأن الحضارة لا تُبنى إلا على التنوير والتعليم. فكان أحد أوائل من حملوا مشاعل العلم من الشرق إلى الغرب، ثم عاد بها ليضيء عقول أبناء وطنه، مؤسسًا لنهضة فكرية امتد أثرها حتى يومنا هذا.

 

رحلة عالم من الصعيد إلى باريس

وُلد رفاعة الطهطاوي في 15 أكتوبر عام 1801 بمدينة طهطا بمحافظة سوهاج، ونشأ في بيت علم ودين؛ فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وتلقى علوم الفقه والحديث والنحو والتفسير بالأزهر الشريف منذ التحاقه به عام 1817، وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره.

بذكائه واجتهاده لفت أنظار مشايخه، حتى قررت الحكومة المصرية إيفاده ضمن بعثة علمية إلى فرنسا عام 1826، بتوصية من شيخه حسن العطار، ليكون واحدًا من ثلاثة علماء أزهريين رافقوا البعثة، وهناك بدأت رحلته الكبرى مع التنوير والمعرفة.

في باريس، أبدى الطهطاوي شغفًا استثنائيًا باللغة الفرنسية والثقافة الغربية، فأتقن اللغة وأقبل على قراءة الفكر الأوروبي، ليعود إلى وطنه محمّلًا بآفاق جديدة ورؤية إصلاحية تدعو إلى الجمع بين الأصالة والمعاصرة.

 

مدرسة الألسن.. منارة الترجمة وبداية النهضة

عقب عودته إلى مصر عام 1831، عمل الطهطاوي مترجمًا في مدرسة الطب، ثم اتجه إلى تطوير مناهج العلوم الطبيعية، قبل أن يؤسس عام 1835 مدرسة الترجمة التي تحوّلت لاحقًا إلى مدرسة الألسن، وتولى إدارتها إلى جانب عمله أستاذًا بها.

كانت هذه الخطوة حجر الأساس لمشروعه الثقافي الكبير، إذ أسهم في تأسيس حركة ترجمة منظمة نقلت إلى العربية مئات الكتب في التاريخ والجغرافيا والعلوم والآداب، فاتحةً بابًا واسعًا أمام الفكر المصري والعربي للاطلاع على حضارة الغرب.

 

نتاج فكري ثري وإرث لا يزول

لم يكن الطهطاوي مجرد مترجم، بل مفكر موسوعي صاحب قلم خصب لم ينقطع عن التأليف والبحث. وصفه تلميذه صالح مجدي بأنه "قليل النوم، كثير الانهماك في التأليف والترجمة".

ومن أبرز مؤلفاته: تخليص الإبريز في تلخيص باريز، مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، المرشد الأمين في تربية البنات والبنين، أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل، نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز.

أما ترجماته فتجاوزت خمسةً وعشرين كتابًا في شتى فروع المعرفة، إلى جانب إشرافه على العديد من الأعمال التي راجعها وصححها. وكان له دور محوري في إصدار جريدة الوقائع المصرية، كما شارك في تحرير مجلة روضة المدارس التي أصدرها علي مبارك، وزير المعارف آنذاك.

 

حارس الهوية والمدافع عن الآثار

إلى جانب مشروعه العلمي والتنويري، كان رفاعة الطهطاوي من أوائل الأصوات التي دافعت عن الآثار المصرية بوصفها كنزًا وطنيًا لا يُقدّر بثمن.

فقد رفض بشدة نقل مسلّة الكرنك إلى باريس، التي أهداها محمد علي باشا لفرنسا، معبّرًا عن اعتراضه الشجاع في زمنٍ لم تكن فيه المعارضة أمرًا ميسورًا. وصف الطهطاوي وقتها استيلاء الأجانب على الآثار بأنه "يشبه سلب البعض لمصوغات غيرهم، فهي عملية نهب لا يلزم لها أي إثبات"، في موقف وطني يعبّر عن وعي حضاري مبكر بهوية مصر وتاريخها العريق.

 

رحيل وبقاء الفكرة

رحل رفاعة رافع الطهطاوي في 27 مايو 1873، لكن فكره لم يرحل، فقد ترك إرثًا معرفيًا خالدًا غيّر مسار التعليم والثقافة في مصر الحديثة. كان بحق رائد التنوير والترجمة، الذي مهّد بجهده وصبره لطريق النهضة المصرية، مؤمنًا بأن التقدم لا يتحقق إلا بالعلم، وأن نور المعرفة هو الطريق إلى الحرية والحياة الكريمة.