من "الحزام والطريق" إلى "الجمهورية الجديدة".. مصر والصين نموذج للشراكة المتوازنة
من ضفاف النيل إلى ضفاف اليانجتسي .. ومن الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، تمتد خيوط حضارتين عريقتين، احتضنتا التاريخ وتصيغان ملامح المستقبل معا.
وتستعد مصر والصين للاحتفال العام المقبل بمرور سبعين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما .. سبعة عقود من التفاهم والثقة المتبادلة، من النيل الذى شهد نشأة أول دولة مركزية عرفها الإنسان، إلى ضفاف نهر اليانجتسى حيث قامت حضارة لا تعرف الانقطاع.. حضارتان تتجددان كما تتجدد فصول الطبيعة.
فى لحظة يتقاطع فيها الماضى بالحاضر، تقف مصر اليوم على أعتاب نهضة عمرانية وتنموية غير مسبوقة، تعيد رسم خريطتها من جديد تحت قيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي جعل من البناء والتنمية والإصلاح الاقتصادي مشروع دولة وإرادة شعب.
وعلى الضفة الأخرى من القارة الآسيوية، تتلألأ الصين وبخاصة مدينة شنغهاى كأيقونة للحداثة .. مدينة لا تنام، تعانق السحاب بأبراجها الزجاجية وتحتضن التاريخ فى أزقتها القديمة التى تفوح منها رائحة الشاي والأزهار.
فى شنغهاى، كل شيئ يتحرك بانسياب منظم، المركبات تنزلق فى صمت على طرق نظيفة، والناس تمضى بخطى واثقة، والابتسامات السريعة تملأ المقاهى ومترو الأنفاق .. النظام هنا ليس مجرد قانون، بل ثقافة متجذرة فى الوعى الجماعى، والتكنولوجيا حاضرة فى كل مشهد، لكنها لا تطغى على روح الإنسان، بل تكمله.
وفى لحظة تأمل، تبدو شنغهاى كأنها تنظر إلى العاصمة الإدارية الجديدة من وراء البحار، كمدينة وُلدت من رحم الحلم ذاته، حلم التحول من الازدحام إلى الانسياب، ومن الماضى إلى المستقبل..كلاهما مشروع لإعادة تعريف المدينة الشرقية الحديثة، مدينة لا تنفصل عن جذورها، لكنها تتجه بخطى واثقة نحو الغد.
وفى أبراج شنغهاى اللامعة ينعكس طموح القاهرة الجديدة، وفى ميادين العاصمة الإدارية يتردد صدى التجربة الصينية فى إدارة الوقت والتنمية والإنجاز.
تعاون بناء ومستقبل واعد بين البلدين الصديقين أكد عليه الدكتور وانج قوانجدا ، أمين عام مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية بشنغهاي - خلال الندوة التى عقدها مع الوفد الإعلامى المصرى الذى يزور الصين حاليا ويضم 14 صحفيا وإعلاميا بتنسيق بين وزارتى خارجية البلدين - حيث قال إن العلاقات بين السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس شي جين بينج أضفت على التعاون بين البلدين زخمًا جديدًا ودفئا إنسانيا غير مسبوق.. مشيرا إلى أن العام المقبل سيشهد مرور سبعين سنة على العلاقات بين البلدين.
كما أشاد بنجاح مؤتمر قمة شرم الشيخ للسلام الذى اعتبره نموذجا للقدرة المصرية على إدارة الحوارات الدولية بحكمة واتزان.
وأكد أن الصين تنظر إلى مصر كشريك رئيسى فى إفريقيا والعالم العربى، ومن أهم دول الحزام والطريق؛ ما دفعها إلى التوسع فى إقامة المصانع والمناطق الصناعية داخل الأراضى المصرية، وخلق المزيد من فرص العمل للشباب، فى وقت يتزايد فيه حجم التبادل التجارى بين الجانبين يوما بعد يوم.
كما اعتبر أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوما جمركية مرتفعة على الصين يشجع العديد من الشركات الصينية على فتح مصانع لها فى مصر بهدف التصدير إلى الأسواق الأمريكية، بالنظر إلى الفرق الكبير بين الرسوم المفروضة على البلدين.
وخلال اللقاء ذاته.. قال رئيس الوفد الإعلامي المصري، مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط محمد مصطفى فى كلمته" إن مصر من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين عام 1956، في خطوة جسدت رؤية بعيدة المدى وإيمانا عميقا بأهمية الصين ومكانتها المستقبلية.
وأشار إلى أن الشراكة الإستراتيجية الشاملة قد ترسخت بشكل ملموس بين القاهرة وبكين بفضل الإرادة السياسية المشتركة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس شي جين بينج، والزيارات المتبادلة بينهما التي عكست عمق الثقة والتفاهم المتبادل، حيث أصبحت الصين أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر، وشاركت بفاعلية في مشروعات قومية كبرى ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، إلى جانب التعاون في مجالات التعليم والإعلام والطاقة وتبادل الخبرات التنموية.
وأوضح أن العلاقات المصرية الصينية أصبحت اليوم نموذجا يحتذى به في التعاون القائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مؤكدا حرص وزارة الخارجية المصرية على أن يكون البعد الإعلامي والثقافي حاضرا بقوة ضمن مجالات التعاون مع الجانب الصيني.
ومن شنغهاى إلى هانغتشو، المدينة التى تجمع بين سحر الطبيعة ودقة التكنولوجيا، تبهرك بحيرتها الهادئة وجسورها الحجرية التى تعكس على صفحتها ضوء الصباح.. هناك حيث تتجاور المراكب التقليدية مع مصانع الذكاء الاصطناعى، وتلتقى أشجار الصفصاف بالشاشات الرقمية العملاقة.
فى هانغتشو تشعر أن الماضى والحاضر يتعانقان بلا خوف، وأن الإنسان ما زال هو محور التنمية وغايتها.
"إشادة بالاقتصاد المصرى وما حققه من طفرة ملحوظة".. كانت العنوان خلال الندوة التى أعقبت زيارة الوفد الإعلامي المصري لمركز الصين للتعاون مع المناطق الاقتصادية الخاصة بين دول "البريكس" حيث أكد فرانك شى رئيس المركز، على الفرص الواعدة للاقتصاد المصرى فى ضوء السياسات الإيجابية التى تتبعها الحكومة المصرية وتوفير المناخ الجاذب للاستثمارات وهو ما يكتسب زخما إضافيا عاما فى ضوء عضوية مصر الفاعلة فى إطار دول البريكس.
وأشار المسئول الصينى - فى افتتاح ملتقى التعاون بين الصين وإفريقيا فى إطار البريكس - إلى أن هناك العديد من مشاريع المنتدى يتم تدشينها خلال الفترة المقبلة مع مصر فى إطار الدور المتميز والمتنامى الذى تلعبه فى القارة الإفريقية.
وأكد المسئول الصينى أن بلاده ترى فى مصر قبلة واعدة للاستثمار والتجارة فى ضوء مكانتها الدولية المتعاظمة وموقعها الجغرافى الفريد ورصيدها الحضارى الكبير.. منوهاً بثقل الشباب فى مصر والذي تولى الدولة اهتماما كبيرا لتأهيلهم وتمكينهم من أجل مواجهة تحديات المستقبل.
كما تناول فى كلمته الدور المهم الذي يلعبه الإعلام في مصر والصين لبناء مستقبل أكثر إشراقا ليس فقط لمصلحة الشعبين الشقيقين ولكن لمصلحة الإنسانية كلها.
وفى المقابل، لا يخفى الجانب المصري اعتزازه بالعلاقات الممتدة مع الصين، فقد كانت مصر من أوائل الدول التى أقامت علاقات دبلوماسية مع بكين عام 1956، لتفتح صفحة جديدة من التعاون الشرقى المستند إلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، واليوم، يرسخ السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا النهج من خلال شراكة استراتيجية شاملة، جعلت من الصين أحد أهم الشركاء فى مشروعات مصر القومية الكبرى، من العاصمة الإدارية إلى مشروعات الطاقة والنقل والتعليم، ضمن رؤية شاملة تجعل من التنمية المستدامة طريقًا للسلام والتعاون.
وكما تُبرز الصين مدنها الحديثة نموذجا لنهضتها التنموية، تجسد مصر في مدنها الجديدة ملامح "الجمهورية الجديدة"، فالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة ليست مجرد مشروعات عمرانية، بل إعلان بأن مصر تخوض تجربتها الخاصة فى صناعة المستقبل.
وبينما تتأمل القاهرة التجربة الصينية بإعجاب، تدرك بكين أن قوة مصر تكمن في تضافر عمقها الحضارى والرؤية الحكيمة لقيادتها مع موقعها الجغرافى الذى يجعلها من قلب العالم العربى بوابة بين قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا ورصيدها الشبابى المتجدد.
وهكذا، تتلاقى روح النيل والتنين الصينى فى مشهد واحد، يحمل فى طياته وعدا بمستقبل مشترك، عنوانه "التنمية والسلام".
ومن القاهرة إلى شنغهاى، ومن ضفاف النيل إلى بحيرات هانغتشو، تمتد جسور جديدة من الفهم والإرادة، تؤكد أن العلاقات بين البلدين لم تعد مجرد صفحات فى كتاب الدبلوماسية، بل فصلًا نابضا من فصول الإنسانية المتجددة.