رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الإخوان.. أوهام الدعوة وصراع السلطة

19-10-2025 | 11:32


شريف عارف,

سنوات قليلة، ويمضي قرن كامل على تأسيس جماعة الإخوان.

رغم كل هذه السنوات بكل ما فيها من أحداث وصراعات.. ما زال السؤال يتكرر: هل هي حركة دعوية أم سياسية؟

الحقيقة المؤكدة أن التجربة الممتدة لا تترك مجالًا للشك في أن الإخوان لم يكونوا يومًا جماعة دعوية خالصة، بل كانوا منذ اللحظة الأولى مشروعًا سياسيًا سلطويًا، ارتدى عباءة الدين ليخفي طموحًا محمومًا إلى السلطة، ثم انتهى إلى إنتاج التطرف والإرهاب.

أسس حسن البنا جماعته على الزيف والأكاذيب رافعًا شعار الإصلاح الديني، لكنه في رسائله ومواقفه كشف عن عقلية سياسية استبدادية لا تقبل الآخر، وترى في جماعته «الحزب الحق» الذي لا يقبل المنافسة، وفي بقية الأحزاب مجرد «مظاهر شكلية» لا قيمة لها أو وجود.

أراد البنا دستورًا بلا تعددية، ونظامًا نيابيًا بلا أحزاب، ومجتمعًا سياسيًا شكله دستوري لكن جوهره حكم فردي يحتكر القيادة والحكمة والزعامة السياسية.

كان البنا صريحًا ومباشرًا في رفض التعددية، لا باعتبارها انحرافًا في الممارسة السياسية فقط، بل كفكرة مبدئية، وهو ما يجعل جماعته فوق الجميع، ويجعل المرشد زعيمًا مطلقًا لا ينازعه أحد.

منذ بداياتها استخدمت الجماعة الدين كستار لتجميل مشروع سلطوي بحت. لم يكن الهدف تربية النفوس أو نشر الفضيلة، بل السيطرة على الدولة والمجتمع.

في كل تحركات كوادرها، رفع الإخوان شعار «الدعوة» لاكتساب الشرعية، لكنهم كانوا يخططون للوصول إلى الحكم بأي وسيلة، مهما كان نوع التحالف أو شكله.

حينما وُاجه قادتهم باتهامات السعي للسلطة، كانوا يختبئون خلف خطاب دعوي زائف يبرر كل تناقضاتهم. وهنا يكمن أخطر ما في المشروع، وهو توظيف الدين كأداة سياسية تُستغل لإقصاء الخصوم، وإضعاف الدولة الوطنية، وتفتيت وحدة المجتمع وجعله مفككًا لتمهيد الأرض أمام أي مشروع جديد.

لم يكن الطريق بعيدًا من عقلية حسن البنا الشمولية إلى فكر سيد قطب التكفيري. فقد نقل قطب الجماعة من مشروع سياسي استبدادي إلى مشروع تكفيري دموي. في كتابه الأخطر معالم في الطريق، طرح قطب فكرة «الحاكمية» التي استعارها من الخوارج، ليحكم على الأنظمة والمجتمعات القائمة بأنها جاهلية وكافرة، وليمنح أتباعه مبررًا للعنف والتمرد.

وفي هذا الواقع، تحولت الجماعة إلى المصدر الفكري الأول للتنظيمات الإرهابية الحديثة. ولم يكن غريبًا أن يعترف أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، بأن كتاب معالم في الطريق كان دستور الجهاديين.

ومنه استلهمت القاعدة وداعش وغيرهما خطاب التكفير والتفجير.

على مدار تاريخها أثبتت الجماعة أن المصلحة السياسية فوق أي مبدأ. تحالفت مع من يخدمها، وانقلبت على الحلفاء حين تعارضت المصالح. رفعت شعار «الدين» لكنها مارست كل أشكال الانتهازية: مرة مع القصر، مرة مع الاحتلال، مرة مع قوى دولية، ومرة ضدها!

هذا السلوك أكد أن «الدعوة» مجرد شعار للتسويق، بينما الحقيقة أنها تنظيم سياسي يتقن المراوغة والخداع والتخلص من حلفائه في التوقيت المناسب.

بعد مائة عام، لا يمكن القول إلا إن الإخوان كانوا مشروعًا سلطويًا مريضًا بثلاثة وجوه: وجه دعوي مزيف استُخدم لخداع البسطاء، وجه سياسي انتهازي سعى للسيطرة على الحكم بأي ثمن، وجه فكري متطرف أنجب حركات الإرهاب في العالم المعاصر.

لقد دفع المجتمع المصري ثمن هذا المشروع البائس غاليًا، في تمزيق الوحدة الوطنية، إدخال مفاهيم العنف باسم الدين، إضعاف الدولة الوطنية، وتفريخ تنظيماتٍ إرهابية تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

التجربة الإخوانية أثبتت أن الدعوة الحقيقية لا تُقاس بالشعارات ولا بلباس الدين، بل بالممارسة التي تعلي من قيم التسامح، والتعددية، واحترام الآخر. أما الجماعة التي احتكرت الحقيقة، وحوّلت الدين إلى أداة للابتزاز السياسي، فلا يمكن أن تُوصف إلا بأنها جماعة استغلت الدين للوصول إلى السلطة، وانتهت إلى أن تكون مدرسة كبرى في التطرف والإرهاب.

من الصعب أن نجد في العالمين العربي والإسلامي تنظيمًا استطاع أن يمد بقاءه كل هذه العقود مثلما فعلت جماعة الإخوان، لكن الأصعب من ذلك أن نجد حركة سياسية نجت من كل المحن والضربات الأمنية والسياسية فقط بفضل قدرتها على التلون والالتفاف على الحقائق، لا بفضل صدق مشروعها أو نقاء خطابها. الإخوان لم ينجحوا في البقاء لأنهم أصحاب فكر حي أو مشروع صالح، بل لأنهم أتقنوا فنون المراوغة والتنظيم الحديدي، فجعلوا من أنفسهم جسمًا متحولًا قادرًا على التكيف مع كل سلطة وكل مرحلة، من الملكية إلى الجمهورية، ومن الاستبداد إلى الديمقراطية الشكلية.

الحقيقة أن حضور الإخوان في كل حدث عربي أو إسلامي لم يكن يومًا تعبيرًا عن ثقل فكري أو دور إصلاحي، بل كان انعكاسًا لرغبتهم في السيطرة والتدخل في كل صغيرة وكبيرة. من فلسطين إلى العراق، ومن النقابات إلى الجامعات، ومن السينما إلى الكتب، لم يتركوا ساحة إلا وحاولوا أن يفرضوا فيها وصايتهم الدينية والسياسية. حتى في القضايا الأخلاقية الهامشية، سعوا إلى الظهور كحراس الفضيلة ومالكي الحقيقة المطلقة.

هذا الحضور لم يكن بركة – كما روجوا – على الأمة، بل كان عبئًا على الحياة السياسية والثقافية، وجعلهم دومًا في مواجهة مع الدولة والمجتمع، مما فتح عليهم أبواب الملاحقة الأمنية عبر تاريخهم الطويل.

هذه الملاحقات بلغت ذروتها عقب اغتيال النقراشي باشا سنة 1948 ومحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954، إلا أن ذلك لم يقطع دابرهم. لم يتوقفوا عن استخدام خطاب المظلومية وتوظيف المحاكمات والسجون في تجديد خطابهم الدعائي، وكأنهم ضحايا أبديون بينما هم في الحقيقة طرف أساسي في كل أزمات العنف التي مرت بها مصر والمنطقة.

السر في بقاء الإخوان ليس عبقرية فكرية ولا قوة سياسية، بل طبيعة البناء التنظيمي المزدوج الذي شيده حسن البنا منذ 1928.

هذا البناء لم يكن مجرد هيكل حركي، بل كان "مصنعًا لإنتاج الطاعة"، قائمًا على مزيج خطير من العاطفة الدينية والانضباط الحديدي. ورغم اغتيال البنا عام 1949، لم تُدفن أفكاره معه، بل استمرت الجماعة في توظيف إرثه لتعيد إنتاج نفس العقلية الملتبسة: عقلية تقول شيئًا وتفعل نقيضه، تُعلن سلمية وتخفي عنفًا.

التجربة الإخوانية أثبتت أن الدعوة الحقيقية لا تُقاس بالشعارات ولا بلباس الدين، بل بالممارسة التي تعلي من قيم التسامح، والتعددية، واحترام الآخر. أما الجماعة التي احتكرت الحقيقة، وحوّلت الدين إلى أداة للابتزاز السياسي، فلا يمكن أن تُوصف إلا بأنها جماعة استغلت الدين للوصول إلى السلطة، وانتهت إلى أن تكون مدرسة كبرى في التطرف والإرهاب، الذي يجب علينا مقاومته في كل عصر.. وكل وقت.