رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مدارس تحويل الإعاقة إلى طاقة إنتاجية

27-10-2025 | 14:18


محمود أيوب,

في الوقت الذي تسعى فيه مصر إلى بناء إنسان قادر على الإنتاج والمشاركة في مسيرة التنمية، برزت تجربة فريدة تمثل خطوة حقيقية نحو دمج الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية في المجتمع، إنها تجربة مدرسة إدارة الأعمال الزراعية للأشخاص ذوي الإعاقة (الصم والبكم) بمحافظة المنيا، التي أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبدعم من الحكومة النرويجية، في إطار مشروع تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتمكين المجتمعات الريفية الضعيفة.

تعد المدرسة تجربة تعليمية، ونموذج إنساني وتنموي يجسد رؤية الدولة في تحويل الإعاقة إلى طاقة إنتاجية، فالصم والبكم هنا لا يتلقون دروساً تقليدية، بل يمارسون الزراعة بأيديهم، ويتعلمون كيفية إدارة المشروع الزراعي من الفكرة إلى التسويق، عبر تطبيق عملي على زراعة وإنتاج شتلات قصب السكر، وهو محصول استراتيجي يمثل ركيزة للأمن الغذائي المصري.

تؤمن وزارة التضامن الاجتماعي بأن التعليم المتخصص هو المفتاح لتمكين ذوي الإعاقة، لذا حرصت على إدماجهم في مشروعات اقتصادية حقيقية تضمن لهم الاستقلال المادي والكرامة الإنسانية. فمدرسة إدارة الأعمال الزراعية التي أنشئت في قرية منشأة المغالقة بمركز ملوي تعد نموذجاً رائداً في الدمج المهني، حيث يتعلم المشاركون مهارات الزراعة الحديثة، واستخدام الأساليب التكنولوجية في إدارة الموارد، والتسويق والإنتاج المستدام.

يشارك في المشروع أكثر من 2000 أسرة في قرى المنيا الأكثر احتياجاً، من بينهم عشرات الشباب والفتيات من ذوي الإعاقات السمعية والبصرية، في إطار خطة متكاملة تنفذها الدولة حتى عام 2026 بهدف تعزيز فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة في الريف المصري.

لم تأت هذه التجربة بمعزل عن جهود الدولة الشاملة في مجال الحماية الاجتماعية والتمكين الاقتصادي. فمنذ إطلاق برنامج تكافل وكرامة، تبنت وزارة التضامن الاجتماعي نهجاً جديداً يعتمد على الانتقال من الدعم النقدي إلى التمكين الإنتاجي، عبر مشروعات تستثمر قدرات المستفيدين وتخلق فرصاً مستدامة.

وفي هذا الإطار، جاءت شراكة وزارة التضامن مع منظمة الفاو والهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية ضمن مبادرة "ازرع"، لتوسيع نطاق الاستفادة من مدارس المزارعين الحقلية ومدارس إدارة الأعمال الزراعية، بما يسهم في دعم صغار المزارعين ورفع كفاءتهم الإنتاجية وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.

ما يميز تجربة الصم والبكم في المنيا أنها تقدم نموذجاً عملياً للتنمية الشاملة. فهؤلاء الشباب تعلموا التواصل بلغة الأرض، واكتسبوا مهارات إنتاجية متقدمة دون أن يكون السمع أو الكلام حاجزاً بينهم وبين النجاح. لقد أثبتوا أن التنمية الحقيقية لا تقاس بعدد المشروعات فقط، بل بقدرتها على احتواء الجميع.

ما يحدث في المنيا اليوم هو ترجمة حقيقية لتوجه الدولة المصرية نحو تحقيق التنمية المستدامة 2030، التي تضع الإنسان في قلب العملية التنموية. فإتاحة التعليم والعمل للأشخاص ذوي الإعاقة لم تعد عملاً خيرياً، بل ضرورة وطنية تسهم في استثمار الطاقات الكامنة لدى فئة تمثل نحو 10% من المجتمع المصري.

تجربة مدرسة إدارة الأعمال الزراعية للصم والبكم، المدعومة من وزارة التضامن والمجتمع المدني وشركاء التنمية، تؤكد أن التمكين لا يحتاج إلى صوت مرتفع، بل إلى إرادة صادقة. فهؤلاء الذين لا يسمعون، أصبحوا اليوم من يسمع صوت الأرض وينطقه بالعمل والإنتاج، ليؤكدوا أن التنمية الحقيقية هي التي تتحدث بكل اللغات، حتى لغة الصمت.