المتحف المصري الكبير.. شمس الحضارة تشرق من أرض التاريخ
"جاءت مصر ثم جاء التاريخ" ليست مجرد عبارة إنشائية عابرة، ولكنه واقع الحال والمآل ومقصد الكلام عبر الأزمان، هذه هى الحقيقة المجردة، لم تكن مصر يوما عبر العصور والأزمنة إلا صانعة للتاريخ وكاتبة له، بل هى من اخترع التاريخ وأوجده، تصيغ عباراته وتبدع نصوصه وتكتب تفاصيله منذ فجر الزمان، التاريخ فى حقيقته صيغت بداياته وكتبت حروفه الأولى من أرض الحضارة المصرية على ورق البردي وجدران المعابد.
لم تعرف الدنيا التاريخ إلا من على ضفاف نهر النيل مع أول دولة شيدت، ومع أول نظام حكم متكامل مؤسسي عرفته الدنيا، بدأت كتابة قصة الحضارة المصرية العظيمة، سجل حافل خالد مداده حروف ذهبية فى كل مراحله، وتبقى مصر العظيمة سلسلة متصلة من الحضارة، جيل يسلم جيلا، ونهر خالد شاهد على عظمة المصريين، فسيفساء حضارية متناغمة صنعتها وصاغتها الشخصية المصرية عبر العصور.
قف وتأمل من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، فى كل نقطة على أرض مصر الغالية حضارة عظيمة، فتش فى كل مكان ستجد البصمة المصرية، ما من بلد إلا وفيه أثر ومس من الإبداع والرقى.
لم يكن المصري إلا صانعًا للحضارة، يحب العمران ويعشق البناء، يكره العدوان ويمقت الخراب، ووقت أن كان الإنسان فى مختلف أنحاء العالم يعيش حياة البدائية، يسكن الكهوف ويصارع الوحوش وتصارعه، كان المصري القديم يبنى حضارته يشيد القصور والمعابد، ويصيغ قواعد الأخلاق وضمير الإنسانية.
هنا على أرض ماعت، بزغ فجر الضمير وعرفت الإنسانية معنى الحضارة، وقت أن شكلت قوانين ماعت منظومة الأخلاق عند المصري القديم، وأرست القواعد الأخلاقية الخالدة، كان المصري يحاسب نفسه ولا يتبع هواه، وضع قوانين لتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع.
"أنا لم أرتكب خطيئة، أنا لم أسرق، أنا لم أقتل، أنا لم أكذب........."، اثنان وأربعون قانونا حاكما شكلت منظومة مبادئ ماعت، يتلوها المصري يدافع عن نفسه فى العالم الآخر الذى كان يؤمن به.
فى كتابه " فجر الضمير" يوضح عالم المصريات العبقري جيمس هنري بريستد أن المصري القديم أدرك أن حضارة بلا قيم هى بناء أجوف لا قيمة له، وأن الحضارات تنهار وتصبح نسيا منسيا إذا كانت بلا منظومة أخلاق، وكم من حضارة انهارت لأنها كانت بلا مبادئ تحكم إطار الحياة، لذلك نحت المصري القديم على جدران المقابر رمز إلهة العدل" ماعت " ليتذكر أن العمل فى الدنيا باق معه حتى الآخرة، لهذا ومن هنا بزغ فجر الضمير فى العالم.
كل شيء فى هذا العالم وضعت أساسه الحضارة المصرية، قل ما تشاء عن الحضارات الأخرى، وعن الأمم المختلفة، ولكن على الجميع أن يقف احتراما وإجلالا عند سيرة الحضارة المصرية فهى أم الحضارات ومنها أشرقت الشمس على العالم، من أرض طيبة بزغ شعاع النور الذى أضاء جنبات الدنيا، وأحال ظلامها نورا.
ورغم التقدم التكنولوجى الهائل الذى نعيشه الآن، وعصر الذكاء الاصطناعي والتطور المذهل والمدهش فى هذا المجال الجديد، إلا أن العالم المتقدم بأسره يقف مشدوها أمام عظمة الحضارة المصرية، يحاول حتى الأن فك أسرارها وفهم ألغازها، ولا يزال العقل العلمي عاجزا عن كشف سر بناء الأهرامات وغيرها من الأسرار المقدسة عند المصري القديم.
ويواصل المصري السير على خطى الأجداد، حتى وصلنا إلى الجمهورية الجديدة منذ عام 2014 بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، جمهورية لا تعرف سوى العمران والبناء، نبني على ما سبق، حضارة بعضها من بعض، ذرية صالحة تحب الحياة وتنشر الخير، تبنى وتعمر وتشيد، متسلحة بمنظومة أخلاقية تدعم استقرار الأوطان وتعلي من شأن القيم، وترفع شعار " نتعامل بشرف فى زمن عز فيه الشرف".
وما المتحف المصري الكبير الذى تشرق شمسه على الدنيا إلا جزء من البناء المتواصل الذى أبهر العالم، لتثبت مصر أنها قادرة دائما على صناعة التاريخ، وكتابته من جديد.
كل تفاصيل المتحف المصري الكبير مبهرة، كل ركن فيه عظيم، مجرد أن تطأ قدميك بهوه وقبل أن تدلف إليه داخلا سيتملكك إحساس بالفخر، يستقبلك الملك رمسيس الثاني أحد أعظم البنائين فى مصر القديمة، ثم تطل بعدها على الدرج العظيم وملوكه الشهود على تاريخ الحضارة، ومنه على القاعة العظيمة قاعة الملك تون عنخ آمون، وعندها لابد أن تقف خاشعا منتبها، هنا قاعة الكنز التى تحوى 5 ٱلاف قطعة من كنوز الملك مجتمعة لأول مرة.
500 ألف متر مربع تقريبا مساحة المتحف المصري الكبير فى كل متر منها ستقف متعجبا متأملا مدركا عظمة المصري قديما وحديثا.
وتبقى مصر الأصل والفصل، أصل حكاية الدنيا وفصلها، ومتحفها الجديد العظيم الكبير سيكون شمسا جديدة تشرق من أرض التاريخ.