رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"فورين بوليسي": ترامب يخوض سباقا محموما لتأمين المعادن الاستراتيجية وتقليص الاعتماد على الصين

1-11-2025 | 12:57


ترامب

دار الهلال

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أنه منذ عودته إلى البيت الأبيض، يخوض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سباقا محموما لتأمين سلاسل توريد جديدة للمعادن الحيوية وتقليص الاعتماد على الصين، التي تحكم قبضتها على سوق المعادن النادرة التي تدخل في الصناعات المتقدمة والتكنولوجيا الدفاعية.

وقد برز هذا التوجه بشكل متسارع خلال الأسابيع الأخيرة، حيث دمج ترامب ملف المعادن الاستراتيجية في دبلوماسيته الخاصة بمنطقة آسيا – المحيط الهادئ، وأبرم سلسلة اتفاقيات مع أستراليا وماليزيا وتايلاند واليابان، في إطار جهود تعزيز البدائل الدولية للموارد الصينية.

وفي الداخل، تبنى ترامب نهجا غير معتاد وأكثر تدخلا في قطاع التعدين الأمريكي، من خلال دخول الحكومة شريكا ماليا مباشرا في شركات تعدين خاصة.

وفي هذا الإطار، تقول غرايسلين باسكاران، مديرة برنامج أمن المعادن الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: إن "التسارع في الجهود لمواجهة الصين يجري بوتيرة مذهلة".

تجدر هنا الإشارة إلى أن المعادن الاستراتيجية، وهي مجموعة من نحو خمسين معدنا تعتبرها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عناصر حيوية للأمن القومي والاقتصاد، أصبحت في قلب أجندة الإدارة الثانية لترامب.

وتشمل هذه المعادن العناصر الأرضية النادرة، وعددها 17 عنصرا معدنيا يدخل في تصنيع الطائرات المقاتلة من طراز F-35 والتوربينات الهوائية والهواتف الذكية والمغناطيسات الدقيقة المتقدمة.

وتسيطر الصين على حوالي 85 في المئة من عمليات معالجة العناصر النادرة عالميا و92 في المئة من إنتاج المغناطيسات المصنوعة منها، ما يمنحها نفوذا هائلا في التفاوض مع واشنطن.

وقد تجلى هذا النفوذ مؤخرا خلال محادثات نادرة بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في بوسان بكوريا الجنوبية الأسبوع الماضي، والتي انتهت باتفاق هدنة مؤقتة يخفف بعض الإجراءات المتبادلة المتشددة.

وبموجب التفاهم، تراجعت بكين عن جزء من القيود الواسعة التي كانت فرضتها على صادرات المعادن النادرة، وإن كان العديد من القيود السابقة بما في ذلك تلك المتعلقة بعنصري الغاليوم والجرمانيوم المستخدمين في صناعة أشباه الموصلات ما زال ساريا.

ويقول كريس بيري، رئيس شركة "هاوس ماونتن بارتنرز" المتخصصة في تحليل أسواق المعادن، إن الصين "تمتلك ورقة ضغط هائلة على الولايات المتحدة"، وإن بناء سلسلة توريد مستقلة للمغناطيسات الأرضية النادرة قد يتطلب ما بين خمس إلى سبع سنوات في أفضل الظروف.

ولفتت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إلى أنه في مواجهة النفوذ الصيني في هذا القطاع الحيوي، يسعى ترامب بقوة لإبرام شراكات جديدة حول العالم. فخلال الأشهر الأخيرة، عقدت إدارته تفاهمات بشأن المعادن الاستراتيجية مع ما لا يقل عن ثماني دول، من أوكرانيا إلى باكستان، في إطار جهود لخلق شبكة عالمية من الموردين وتعزيز النفوذ الأمريكي. غير أن نتائج هذه الاتفاقيات لا تزال غير واضحة، ولن يتم معرفة مدى فعاليتها إلا عندما يبدأ ضخ الأموال والاستثمارات على الأرض.

وداخليا، عادت واشنطن إلى تبني سياسة صناعية أهملتها لعقود طويلة. فقد كان للولايات المتحدة قطاع تعدين قوي حتى سبعينيات القرن الماضي، قبل أن تؤدي مخاوف بيئية وأزمات مالية إلى تراجع القطاع ورغبة الساسة في الاعتماد على الاستيراد بدل الإنتاج المحلي.

ولتغيير المسار، أعلنت إدارة ترامب شهر أكتوبر المنقضي شراء حصة تبلغ 10 في المئة في شركة "تريلوجي ميتالز" الكندية التي تمتلك مشاريع تعدين في ولاية ألاسكا، لتصبح ثالث شركة تعدين تمتلك الحكومة الأمريكية أسهما فيها، إلى جانب "ليثيوم أمريكا" و"إم بي ماتيريالس" العاملة في مجال العناصر النادرة.

وحول هذه الجهود، ترى غرايسلين باسكاران، مديرة برنامج أمن المعادن الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، أن "تدخل الحكومة عبر شراء حصص يمثل أعلى درجات المشاركة، وهو جزء من موجة غير مسبوقة من التعاون بين القطاعين العام والخاص في ملف المعادن".

ويبدو -في رأي المجلة- أن هذه السياسة ستتوسع قريبا، حيث أعلن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت نية الحكومة دعم الشركات الأمريكية في قطاعات استراتيجية محددة، معتبرا أن التعامل مع اقتصاد غير سوقي مثل الصين يفرض اللجوء إلى أدوات صناعية مشابهة.

ويرى بعض الخبراء أن الولايات المتحدة "تتحول أكثر فأكثر إلى نموذج يشبه الصين في الاستثمار، حيث يتم اختيار شركات قوية ومنحها الدعم لتحقيق أهداف وطنية".

وعليه، ووفقا لهذا النموذج الاقتصادي الأمريكي الجديد المشابه للصيني، تستعد شركات التعدين الأمريكية للاستفادة من الدعم الحكومي. ويؤكد، في هذا الصدد، كريستوفر إكليستون، كبير الاستراتيجيين في مجال التعدين في شركة "هالجارتن آند كومباني"، أن شركات التعدين التي لم تكن سابقا تقصد واشنطن، باتت اليوم تتدافع للفوز باهتمام الإدارة.

وأخيرا، وبينما يتقدم ترامب بقوة في سباق المعادن الاستراتيجية، تبقى أسئلة تحتاج لإجابات، وهي: هل ستتمكن واشنطن حقا من فك الارتباط عن بكين؟ أم أن الصين بقدراتها الصناعية الهائلة ستظل اللاعب الذي يصعب تجاوزه في سوق المعادن الحيوية؟

لا شك أن الإجابة على هذه التساؤلات ستتجلى في السنوات المقبلة، مع بدء تنفيذ الاتفاقيات وضخ الاستثمارات وتشكيل سلاسل توريد جديدة في عالم تتزايد فيه أهمية الموارد الاستراتيجية والتكنولوجيا المتقدمة.