وسيم السيسي يوضح المفاهيم الخاطئة عن الحضارة المصرية القديمة في ندوة بمعرض الشارقة للكتاب
قدّم الباحث المتخصص في علم المصريات الدكتور وسيم السيسي- خلال ندوة بمعرض الشارقة الدولي للكتاب - قراءة علمية مختلفة للحضارة المصرية القديمة، كاشفًا العديد من المفاهيم الخاطئة التي التصقت بها، ومعيدًا وضعها في سياقها التاريخي والإنساني الصحيح.
وجاءت الندوة تحت عنوان «مفاهيم خاطئة عن الحضارة المصرية القديمة»، وأدارتها الشاعرة والإعلامية الإماراتية شيخة المطيري، وسط حضور كبير تابع مداخلات السيسي التي مزج فيها بين التاريخ والفلسفة والدليل الأثري، إلى جانب الحكايات الإنسانية التي شكّلت بدايات شغفه بعلم المصريات.
واستهل الدكتور وسيم السيسي حديثه بالتأكيد على عمق علاقته بالإمارات قائلاً: «الإمارات بيتي الثاني، وهذه زيارتي الثالثة». ثم عاد بذاكرته إلى سنوات دراسته للدكتوراه في إنجلترا، حيث بدأت شرارة اهتمامه الحقيقي بالمصريات.
وأشار إلى أنه كان يتردد على حدائق مثل «الهايد بارك» التي تشهد نقاشات فكرية مفتوحة، وفي إحدى المرات استمع إلى رجل إنجليزي يتحدث بفخر عن ريادة بلاده في الطب والتخدير والعلوم، قبل أن يقاطعه رجل إفريقي قائلاً بثقة: «أنا الذي أعطيتكم الحضارة»، مؤكداً أن إنجلترا أخذت علومها من اليونان، واليونان من مصر القديمة.
وأوضح أنه شعر بالخجل آنذاك لأن الرجل الإفريقي كان يدرك تاريخ مصر أكثر منه، فكانت تلك اللحظة نقطة تحوّل في حياته، ليقرر بعدها تكريس جهده لدراسة حضارة بلاده وكشف الحقيقة حول إرث المصريين القدماء.
وتوقف عند واحد من أكثر المفاهيم شيوعًا، وهو الاعتقاد بأن المصريين القدماء كانوا وثنيين بالكامل. وأكد ـ استنادًا إلى الأدلة الأثرية والنصوص الدينية ـ أن الحضارة المصرية عرفت الإله الواحد منذ الأسرة الأولى، وأن إخناتون لم يكن أول الداعين إلى التوحيد كما يروج.
واستشهد بنصوص «متون الأهرام» التي وردت فيها عبارة «واع واع نن سنو» التي تعني «واحد أحد»، لافتًا إلى تطور عدد من المفردات التي انتقلت إلى لغات أخرى، ومنها كلمة «كابا» التي تحولت إلى «كعبة» في العربية و«Cube» في الإنجليزية.
كما عرض صورًا لجداريات توثق الصلاة المصرية القديمة المتضمنة السجود ولمس الأرض بالجبهة، مشيرًا إلى وجود كلمة (حنفا) أسفل صورة لرجل ساجد، ليؤكد أن "المصريين القدماء كانوا أول الحنفاء في التاريخ"، مستشهدًا بكتاب الباحث نديم عبد الشافي السيار.
ودعم طرحه باستحضار شهادات عدد من الفلاسفة والمؤرخين العالميين الذين أكدوا ريادة المصريين القدماء في التوحيد، ومن بينهم هيجل، وماسبيرو، وبروجش، وول ديورانت الذي أشار في (قصة الحضارة) إلى أن المصريين كانوا أول من نادى بالإيمان بإله واحد قبل آلاف السنين من ظهور الفلسفات اللاحقة.
وأوضح الدكتور وسيم السيسي أن استخدام كلمة (لفراعنة) للإشارة إلى المصريين القدماء برمّتهم خطأ شائع، مشيرًا إلى أن «فرعون» كان لقبًا للملك فقط، وأصل الكلمة «بر–عو» أي (البيت العالي). وأضاف أن ربط المصطلح بالظلم والسخرة جاء نتيجة تأويلات توراتية نقلها عالم المصريات البريطاني فلاندرز بتري.
واستعرض الدكتور وسيم السيسي واحدة من أهم الاكتشافات الحديثة، وهي بردية وادي الجرف، التي وثّقت تفاصيل دقيقة حول بناء الأهرامات من أسماء العمال ورواتبهم إلى إجازاتهم ومراكز علاجهم، مؤكدًا أن هذه الوثائق تدحض تمامًا أسطورة السخرة.
وأشار إلى كتابَي الدكتور محمود السقا ومحمد سليمة اللذين أبرزَا عدالة القانون المصري القديم.
وتوقف عند شخصية الملك تحتمس الثالث، مؤسس الإمبراطورية المصرية، موضحًا أنه لم يكن يقتل ملوك وأمراء الشعوب المهزومة، بل كان يجلب أبناءهم إلى مصر ليعيشوا فيها ويتزوجوا من مصريات، ثم يعودون إلى بلادهم جزءًا من الإدارة المصرية، وهو ما عده دليلاً على إنسانية الحكم المصري.
واختتم الدكتور وسيم السيسي، حديثه باستعراض قانون حور محب، آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة، واصفًا إياه بأنه "أول تشريع لحقوق الإنسان في التاريخ"، وأنه يمثل ذروة ما وصل إليه الفكر القانوني المصري القديم.
وأكد في ختام الندوة أن الحضارة لم تبدأ في اليونان كما يعتقد البعض، بل في مصر التي أرست مبادئ العدل والتوحيد والإنسانية منذ آلاف السنين، ولا يزال العالم حتى اليوم يكتشف جوانب جديدة من إرثها الفكري والحضاري.