رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أفلا تعقلون؟!

16-11-2025 | 20:24


د.مجدي أبو الخير

أعظمُ ما منحه الله للإنسان العقلَ، به كرّمه على باقي خلقه وميّزه عنهم، وبه رفعه مكانًا عليًّا، وأبلغ ما يُوصفُ به إنسانُ رجاحةُ عقله، به يحصُل التكليف وفي غيابه يسقط.

بالعقل عرَّف اللهُ الإنسانَ عليه والاهتداء إليه، بدعوته إياه إلى إعمال عقله تأملًا وتدبرًا وتفكرًا في خلق السماوات والأرض وسائر مخلوقاته، " الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلًا ". وقوله: " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت وإلى السماء كيف رُفعت وإلى الجبال كيف نُصبت وإلى الأرض كيف سُطحت ".

وكم من آيات ربنا التي خُتمت بقوله: ( أفلا تعقلون، لعلكم تعقلون، يعقلون ) كلها يقطع بإعمال العقل بل الاستنكار والتوبيخ عند تعطيله.

بالعقل عرف الأنبياءُ الله واهتدوا إليه سبحانه، وبه أفحموا أقوامهم المشككين في دعواتهم ورسالاتهم، وبه ردّوا عليهم أكاذيبهم وسوء وفساد معتقداتهم التي ألفوا عليها أباءهم وأجدادهم دهرًا. فبالعقل دون سواه يُفحم إبراهيمُ قومَه :" قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نُكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضرّكم أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ". وبه يُفحم النمرود حتى بُهِت: " إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب ". ويُعظِم اللهُ -وهو الله- في الإنسان العقلَ، ويُعلي من شأنه ردًّا على منكري البعث على لسان نبيّه -صلى الله عليه وسلم- في قوله: " قال مُن يحيي العظام وهي رميم قُل يُحييها الذي أنشأها أول مرة ".

وبالعقل -دون سواه- يُفحَم أهلُ العقل والعلم، ويراجعون قناعاتِهم وأفكارهم، وفي غيابه يسود الجهلة والانتهازيون وتفسُد أحوال البلاد والعباد. فأيّ دعوةٍ بعد ذلك كله إلى تعطيل العقل وإلزامِه حدًّا محدّدًا وخطًّا معينًا، دون نصٍّ قاطعٍ، فإن في ذلك مخالفةً صريحةً لنصّ القرآن، وأمرِ الله لنا ودعوته بإعمال العقل دون تعطيل أو حدّ وصولًا إلى مطلق الإيمان به سبحانه عن قناعةٍ عاقلةٍ، وقلبٍ مطمئنٍ، وعقلٍ مؤمنٍ تزول الجبالُ ولا يزول، وقُدوتُنا في ذلك رُسلُه وأنبياؤه، صلوات الله وسلامه عليهم.

إلا التفكر وإعماله في ذاته تعالى؛ فسبحانه: " ليس كمثله شيء ". ولن نُقدّره حقّ قدره: " وما قدروا الله حق قدره "؛ فإن عقولنا والله لا تقوى على ذلك، وأنّى لها ذلك وقد اندكّ الجبلُ دكًّا لمّا تجلّى له ربُّنا حتى خرّ موسى، وهو كليمُه، ومن أُولِي العزم من رسله، صعقًا؟!

ولم أرَ أرقَّ على النفس، وأثلجَ للصدر، وأنفذَ إلى العقلِ والقلبِ معًا من حديثٍ ديني يصدُر عن عقلٍ إلى عقلٍ، ولم أرَ أرقى من كلام ربنا في مخاطبة العقل، وإعلائه وتقديمه، " أفلا تتفكرون ".