انطلقت اليوم /الثلاثاء/ في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا أعمال القمة الاجتماعية لمجموعة العشرين، معلنة بداية تحالف غير مسبوق يضم حكومات ومنظمات مجتمع مدني وشباباً وشبكات نسائية وهياكل قاعدية، بهدف ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة ضمن الأجندة الاقتصادية العالمية، في لحظة تعد تاريخية لمسار دول الجنوب نحو تحقيق الاستدامة.
وتختتم جمهورية جنوب أفريقيا، التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين للعام 2025، فترة رئاستها بإطلاق أول نسخة من القمة الاجتماعية تحت شعار "التضامن، المساواة، والاستدامة"، في مسعى استراتيجي لرفع قضايا التنمية الاجتماعية ، مثل الشمول الرقمي، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعدالة المناخية، وديمقراطية الطاقة، إلى مستوى الأولويات التقليدية الخاصة بالمالية والاستقرار الاقتصادي الكلي.
واستضاف مركز ناسريك للمعارض ، المعروف أيضاً بمركز معارض جوهانسبرج، فعاليات اليوم الأول؛ وهو موقع يحمل رمزية تاريخية باعتباره جسراً هشاً بين شمال وجنوب جوهانسبرج خلال حقبة الفصل العنصري. وأوضح وزير العدل والخدمات الإصلاحية بجنوب أفريقيا رونالد لامولا أن اختيار هذا الموقع يجسد التزام الرئاسة الجنوب أفريقية بردم الفجوات المكانية والاقتصادية التي لا تزال تفصل بين دول الشمال العالمي والجنوب العالمي.
وتأتي هذه القمة في لحظة حاسمة داخلياً ودولياً، إذ تستغل جنوب أفريقيا موقعها بوصفها آخر دولة من دول الجنوب تتولى رئاسة مجموعة العشرين في هذه الدورة للدفع نحو إصلاح جذري في هيكل التمويل الدولي، في وقت تواجه فيه الدول الأفريقية تكاليف رأسمال مرتفعة ونظاماً عالمياً مضطرباً لطالما انحاز للاستخلاص بدل الحماية.
وكان فريق الخبراء الأفريقي لمجموعة العشرين، برئاسة وزير المالية الجنوب أفريقي الأسبق تريفور مانويل، قد عرض توصياته على الرئيس الجنوب أفريقى سيريل رامافوزا، على أن تنشر علناً في الأيام المقبلة. ويهدف هذا الفريق إلى وضع استراتيجيات تعزز المصالح التنموية الجماعية للقارة، خاصة خفض تكاليف التمويل والتحول من الاعتماد على المساعدات إلى تحقيق نمو قائم على الاستثمار المستدام.
وتبرز أزمة ديون القارة حجم التحدي؛ إذ بلغ متوسط نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا جنوب الصحراء بين 55% و60% عام 2024، وفقاً لصندوق النقد الدولي، مع دول عديدة تقف على شفا ضائقة ديون أو غارقة فيها.
وفي 10 نوفمبر، جمعت جنوب أفريقيا وفوداً دولية في أديس أبابا ضمن الحوار رفيع المستوى لمجموعة العشرين حول استدامة الديون، والذي دعا بوضوح إلى إصلاحات تشمل تخفيضات في الديون وتحولات اقتصادية طويلة الأمد تتجاوز الحلول المؤقتة. كما شكلت مسألة تمويل انتقال الطاقة العادل محوراً رئيسياً، خصوصاً أن نحو 600 مليون أفريقي ما زالوا دون كهرباء، بحسب الوكالة الدولية للطاقة.
وتشمل المبادرات المطروحة لمعالجة فقر الطاقة الشديد في القارة مرفق كفاءة الطاقة الأفريقي (AfEEF) وبرنامج الطهي النظيف لمجموعة العشرين، وهي برامج تعد أدوات عملية لدعم التصنيع وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وستتغذى مناقشات القمة الاجتماعية، والمبنية على مقترحات 13 مجموعة مشاركة رسمية (Engagement Groups) مباشرةً في البيان الختامي لقمة القادة المقرر تبنيه في 23 نوفمبر. وتظهر طموحات الرئاسة الجنوب أفريقية في مبادراتها البارزة، بما في ذلك إطلاق مبادرة الذكاء الاصطناعي لأفريقيا بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي واليونسكو، واعتماد المبادئ رفيعة المستوى لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة (IFFs)، التي تستنزف عشرات المليارات سنوياً من الاقتصادات الأفريقية، وهى مبالغ تفوق المساعدات الخارجية بأشواط.
وافتتحت جنوب أفريقيا هذا الحدث العالمي الكبير وهي تعيش زخماً اقتصادياً داخلياً؛ إذ انخفض معدل البطالة إلى 31.9% في الربع الثالث من 2025 بعد أن كان 32.9% في الربع الثاني. كما سجّل اقتصادها دفعة قوية مع ترقية وكالة "ستاندرد اند بورز جلوبال" للتصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملة الأجنبية من BB- إلى BB مع نظرة مستقبلية إيجابية، في ضوء جهود الضبط المالي والاستقرار المحسن في القطاعات الحيوية، ولا سيما قطاع الطاقة.
وقال الوزير لامولا بفخر إن أزمة انقطاع التيار الكهربائي أصبحت “خلفنا”، في تحول يصفه خبراء الطاقة بالملحوظ، وهو ما عزز قدرة البلاد على استضافة حدث يتوقع أن يجذب نحو 5,000 مشارك، بينهم 4,050 من المجتمع المدني والشبكات القاعدية، بالإضافة إلى التحضير لقمة القادة التي ينتظر أن تُعقد بمشاركة كاملة.
ويؤكد المسؤولون الجنوب أفريقيون أن تحسينات الخدمات العامة التي تحققت خلال فترة رئاسة مجموعة العشرين ستحافظ عليها البلاد ولن تلغى بعد انتهاء القمة، في خطوة تبرز التزاماً بحوكمة مستدامة. وتكمن الرسالة الجوهرية للقمة في أن الوحدة يمكن أن تبنى حيث ساد الانقسام سابقاً، وأن جنوب أفريقيا تسعى لترسيخ مستقبل أكثر عدلاً وترابطاً للعالم.