شخصيات صنعت التاريخ.. أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل
يُعد أحمد لطفي السيد واحدًا من أبرز أعلام النهضة الفكرية في مصر مطلع القرن العشرين، وصوتًا محوريًا في تشكيل ملامح الحركة الثقافية والسياسية الحديثة، حمل لقب أستاذ الجيل عن جدارة، ليس فقط لدوره في الدفاع عن حرية الفكر، بل أيضًا لإسهاماته العميقة في تأسيس مؤسسات معرفية راسخة، كان في مقدمتها جامعة القاهرة التي تولى رئاستها الأولى، امتدت بصمته إلى ميادين الصحافة والتأليف والترجمة، فكان من أوائل من فتحوا نوافذ الثقافة الغربية أمام القارئ العربي، وصاغ خطابًا تنويريًا لا يزال تأثيره حاضرًا في الوجدان المصري والعربي حتى اليوم.
وُلد أحمد لطفي السيد في 15 يناير 1872، في قرية برقين بمحافظة الدقهلية، اهتم والده بتعليمه، فألتحق بكتاب القرية حتى تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم درس بمدرسة المنصورة الابتدائية، وبعد مرور ثلاث سنوات انتقل إلى القاهرة، واستكمل دراسته بالمدرسة الخديوية الثانوية، ثم التحق بمدرسة الحقوق، وتعرف على الإمام محمد عبده أثناء دراسته وتأثر بأفكاره، حتى تخرج من الكلية وحصل على الليسانس، و بعد مرور ثلاث سنوات من تخرجه حصل على الدكتوراه.
عمل أحمد لطفي السيد بالنيابة بعد تخرجه من الحقوق، واستمرت ترقياته، فعُين نائبًا للأحكام بالفيوم، وظل بمنصبه حتى ترك القضاء، وعمل بالمحاماة، ثم التحق للعمل بالصحافة والسياسة.
عُين السيد مديرًا لدار الكتب، فترجم بعض أعمال أرسطو إلى العربية، مثل كتاب الأخلاق والسياسة، وطالب بترجمة الكتب الأخرى، وجعل من هم أهلين للثقة يضطلعوا وينقلوا الثقافة الغربية إلى العربية، كما أنشأ مجمعًا لغويًا عُرف باسم "مجمع دار الكتب"، ولكن لم يستمر طويلًا فأغلق بعد عام من إنشائه.
استقال أحمد لطفي السيد من دار الكتب بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، واشترك مع سعد زغلول وعبدالعزيز فهمي وعلي شعراوي وغيرهم في تشكيل وفد للمطالبة بالاستقلال، وعودة الزعماء المنفيين من الخارج كسعد زغلول ومن معه، حتى خضعت بريطانيا لمطالبه، وتشكلت وزارة حسين باشا؛ وأفرج عن الزعماء المنفيين، حتى سافر مع الوفد المصري إلى باريس، لعرض مطالب مصر على مؤتمر السلام، ولكن لم يستمر بعمله السياسي.
عاد السيد للعمل بدار الكتب وأصبح مديرًا لها بعدما ترك السياسة، ثم عُين مديرًا للجامعة المصرية بعد أن أصبحت حكومية، ازدهرت الجامعة وازدات توسعًا في عهده، كما كان من المناصرين لحق المرأة في التعليم حتى قبلت الجامعة سنة 1929 التحاق أول مجموعة من الفتيات، وأثر ذلك بشدة بشأن النهوض بالمرأة، والمحافظة على حقها في التعليم.
شغل السيد العديد من المناصب السياسية رفيعة الشأن، فعين، وزير المعارف ووزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء، ثم تولى رئاسة مجمع اللغة العربية بالقاهرة في عام 1945، فكان عضوًا في كثير من المجامع العلمية، مثل المجمع العلمي العراقي، والمجمع العلمي المصري، والجمعية الجغرافية المصرية.
ترك السيد العديد من المؤلفات في مختلف الاتجاهات الفكرية، ومنها: صفحات مطوية من تاريخ الحركة الاستقلالية، تأملات، المنتخبات، تأملات في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع، وترجم عدة مؤلفات لأرسطو منها: علم الأخلاق إلى نيقوماخوس، علم الطبيعة، والسياسة، وله كتابه الذي يتناول به مذكراته بعنوان "قصة حياتي".
نال أحمد لطفي السيد جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1958، واستمرت إسهاماته حتى رحل في 5 مارس 1963، بعد سلسلة من الجهود والإنجازات في سبيل الاهتمام والنهوض ببلده مصر.