حذر مسؤول بارز في مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي من المخاطر المتزايدة في سوق سندات الخزانة الأمريكية، الذي تتجاوز قيمته 30 تريليون دولار، في ظل تنامي تداولات صناديق التحوط المعتمدة على الديون.
وقالت عضو مجلس محافظي الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، ليزا كوك، إن هذا النشاط المتسارع قد يعمق حالة عدم الاستقرار في واحد من أهم الأسواق المالية في العالم، وسط مخاوف من هشاشة السيولة وتقلبات غير متوقعة.
وصناديق التحوط هي صناديق استثمار خاصة تستهدف تحقيق عوائد مرتفعة عبر استراتيجيات مالية معقدة، مثل الاقتراض، والمضاربة، واستخدام المشتقات.
وقالت ليزا كوك، إن ما يُطلق عليه "التداولات الأساسية" التي تنفذها صناديق التحوط، وتسعى من خلالها استغلال الفروق الطفيفة بين أسعار سندات الخزانة، تخاطر بجعل السوق الذي يبلغ حجمه 30 تريليون دولار "أكثر عرضة للتوترات والضغوط"، وفي حالات أكثر حدة قد تؤثر على أداء السوق.
ونقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية عن كوك المسؤولة عن الاستقرار المالي في مجلس الاحتياط الفيدرالي قولها "بعيداً عن فترات التوتر والضغوط، فإن تداولات القيمة النسبية تطور بصورة جوهرية من كفاءة سندات الخزانة وسيولتها والأسواق المرتبطة بها. بيد أنه أثناء فترات الضغوط في السوق، فقد يتسبب تفكيك المراكز المزدحمة في مثل هذه التداولات في تفاقم حالة عدم الاستقرار في السوق".
وكانت العديد من الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة، من بينها مجلس الاحتياط الفيدرالي- قد حذرت مراراً من الدور المتعاظم لصناديق التحوط الذي تلعبه في أسواق الخزانة الأمريكية.
وقد زادت رهانات الصناديق في التداول بصورة ضخمة في السنوات الأخيرة.
وقد أصدر مجلس الاحتياط الفيدرالي في أكتوبر الماضي بحثاً سلط فيه الضوء على ما وصفه الاقتصاديون بـ"زيادة هائلة" في مدى تعرض الديون الحكومية الأمريكية لصناديق التحوط التي تعمل من جزر كايمان (أحد الملاذات الآمنة).
واكتشف البحث أن تلك الصناديق قامت بالاستحواذ على مزيد من إصدارات سندات الخزانة الأمريكية ما بين يناير 2022 وديسمبر 2024، بأكثر من إجمالي سندات الخزانة الأمريكية التي استحوذ عليها حاملي السندات الأجانب مجتمعين.
ونبهت كوك إلى أن نسبة استحواذ صناديق التحوط على أذون الخزانة النقدية زادت بنسبة 10.3 في المائة في الربع الأول من العام الجاري، وهي أعلى من الذروة التي بلغتها قبيل تفشي جائحة "كوفيد-19".
ورغم الفروقات السعرية الضئيلة للغاية بين سندات الخزانة في السوق الفورية النقدية وما يعادلها في سوق التعاملات الآجلة، فإن صناديق التحوط تقترض أموالاً هائلة لضخها في التداول، بما يتيح لها لمضاعفة أرباحها.
وسلطت الصحيفة البريطانية الضوء على أن مثل تلك النوعية من التداولات كانت سبباً جوهرياً لأزمات مالية متعددة شهدتها الأسواق.
والمثال الأبرز على ذلك كان في مارس 2022، عندما ضرب وباء كورونا الأسواق وأجبر صناديق التحوط على تفكيك التعاملات الأساسية، ما أدى إلى حدوث تحول سريع في أسعار سندات الخزانة الأمريكية، وهو أمر سرعان ما انتشر وأثار الذعر في بقية الأسواق، وأُرغم مجلس الاحتياط الفيدرالي على التدخل آنذاك.
كما كانت نفس هذه التداولات سبباً جوهرياً لأزمة سوق إعادة شراء السندات المالية الحكومية الأمريكية "الريبو"، التي اندلعت في عام 2019، عندما أُجبر المتعاملون في التداولات الرئيسية على تفكيك مراكزهم المالية بعدما أدى برنامج التشديد الكمي، الذي تبناه مجلس الاحتياط الفيدرالي بإزالة الاحتياطيات من النظام، إلى ندرة السيولة.
وتسببت حالة البيع القسرية، التي شهدتها الأسواق إلى اضطراب السندات الحكومية النقدية والعقود الآجلة على مستوى التمويل قصير الأجل، أو ما يعرف بسوق "الريبو"، في ارتفاعات حادة في أسعار الفائدة المصاحبة. وأُرغم مجلس الاحتياط الفيدرالي على التدخل أيضاً في تلك الفترات.
وفي عام 2021، قرر مجلس الاحتياط الفيدرالي في نيويورك، تقديم تسهيلات لإعادة الشراء الدائمة (آلية الريبو) بمعدل مرتين يومياً لضمان بقاء التكاليف داخل النطاق المستهدف من قبل البنوك المركزية الفيدرالية.
ساهم برنامج التشديد الكمي الرئيسي الثاني، الذي أطلقه البنك المركزي الأمريكي واستمر على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، في ارتفاع المعدلات في سوق إعادة شراء الأوراق الحكومية (سوق الريبو) حتى نهاية أكتوبر، ليتجاوز بذلك، في بعض الأيام، تكلفة الاقتراض من صندوق الاحتياط الفيدرالي.
وقالت الصحيفة البريطانية إن مجلس الاحتياط الفيدرالي كان قد أعلن الشهر الماضي انه سيوقف "برنامج التشديد الكمي" الأخير اعتباراً من الأول من ديسمبر المقبل، وسط تلميحات من العديد من المسؤولين إلى أن البنك المركزي الأمريكي سيوسع من استحواذاته لسندات وأذون الخزانة اعتباراً من بداية العام المقبل.