رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حكاية شارع بيت القاضي.. شاهد القاهرة على الثورات والعمارة والعدل

22-11-2025 | 11:29


شارع بيت القاضي

فاطمة الزهراء حمدي

تضم القاهرة، عاصمة مصر لأكثر من ألف عام، عددًا كبيرًا من الشوارع والميادين التاريخية التي يعود تاريخها إلى قرون وتعد هذه الأماكن مقصدًا للعديد من السياح، لما تحمله من طابع جمالي وأهمية ثقافية وتاريخية، مما يجعلها من أبرز معالم القاهرة السياحية والتاريخية، ومنها شارع بيت القاضي.

يقع شارع بيت القاضي في قلب شارع المعز، ويُعد واحدًا من أشهر وأهم نقاطه، بل ومن أبرز معالم منطقة الجمالية كلها، فالشارع يشكل همزة وصل حيوية تربط بين الجمالية والحسين وشارع المعز، ويقع مباشرة أمام مجموعة السلطان المنصور قلاوون الأثرية.

يرجع أصل هذا الشارع إلى قصر الزمرد الفاطمي، الذي كان جزءًا من القصر الشرقي الكبير، وكان هذا القصر واحدًا من أعظم منشآت العصر الفاطمي، يمتد على مساحة تقارب 70 فدانًا، ويضم مباني وقصورًا صغيرة وحدائق واسعة، كان من بينها قصر الزمرد الذي اشتهر بروعة عمارته.

وفي العصر المملوكي، آلت ملكية القصر إلى السيدة تتر الحجازية، ابنة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وبنت تتر مدرستها وقصرها في هذا الموضع. 

ثم جاء جمال الدين يوسف الإستادار في عهد السلطان برقوق واستولى على المكان، وتحول القصر في تلك الفترة إلى سجن. 

وبعد ذلك، شيد الأمير ماماي السيفي، أحد كبار أمراء السلطان الأشرف قايتباي، قصره في هذا الموقع عام 1496م، واشتهر ماماي بدوره في إتمام الصلح بين الدولة المملوكية والدولة العثمانية في أواخر القرن الخامس عشر.

لكن ما إن توفي السلطان قايتباي حتى تصاعدت الاضطرابات بين الأمراء المماليك، ووقعت فتنة عام 1497م قُتل فيها عدد من أنصار السلطان، بينهم الأمير ماماي نفسه.

أدى ذلك إلى تدمير جزء كبير من قصره، ولم يبق منه إلا المقعد، الذي لا يزال يعكس بفخامته حجم وروعة القصر الأصلي، وكان المقعد ملحقًا بالقصر ومدخله يقع في الضلع الجنوبي الشرقي، وهو الجزء الوحيد الباقي من مباني الأمير ماماي.

ومع دخول العصر العثماني، تحول مقعد ماماي إلى مقر للمحكمة الشرعية، وأقام قاضي العسكر في طابقه العلوي، بينما استخدم المقعد نفسه لعقد الجلسات واحتجاز المتهمين وتنفيذ الأحكام، ومنها جاءت تسمية المكان بـ بيت القاضي.

لعبت هذه المحكمة دورًا بارزًا في الحياة السياسية خلال الحكم العثماني، إذ كانت نقطة تجمع للانتفاضات الشعبية ضد الولاة. 

كما شهد المكان اجتماع ممثلي الشعب المصري عام 1805م—من العلماء والأشراف ونقباء الحرف—حين اتخذوا قرارهم التاريخي بخلع الوالي العثماني ومبايعة محمد علي باشا حاكمًا لمصر وفق شروطهم، في أول مرة يختار فيها المصريون حاكمهم بهذا الشكل.

وظلت المحكمة الشرعية في هذا الموقع حتى عام 1900، حين انتقلت إلى منزل محمود سامي البارودي بالحلمية الجديدة، ثم تولت لجنة حفظ الآثار العربية عام 1925 ترميم المقعد وإعادته إلى حالته الأصلية.

وعند مدخل الشارع تقع بوابة بيت القاضي، التي يُرجح أنها بُنيت خلال عصر محمد علي باشا، إذ تتشابه زخارفها وطرازها مع عمارة تلك الفترة، رغم عدم وجود وثيقة تؤكد ذلك، ويرجح أن الهدف من بنائها كان الحماية والتحكم في الدخول إلى المنطقة.

وفي عهد الخديو إسماعيل، تم تحويل فناء قصر ماماي إلى ميدان، وفتح شارع بيت القاضي عام 1873 ليربط شارع المعز بمنطقة الجمالية، تزامنًا مع افتتاح مجلس الأحكام—محكمة الاستئناف—المقامة في الميدان.
 

وبعد ذلك أصبح الميدان موقفًا لأتوبيسات النقل العام، وتظهر إحدى الحافلات القديمة قبل عام 1956 بلوحة تشير إلى "بيت القاضي".

وفي تلك الفترة كان يتوسط الميدان حوض لسقاية الدواب، إلى أن ألغيت جميع أحواض الدواب عام 1950. واليوم أصبح المكان مركزًا لبيع الموازين في مصر كلها.

وصف مقعد الأمير ماماي السيفي:

المقعد كان مخصصًا لاستقبال الرجال في البيوت منذ العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر.

أما المقعد الباقي من قصر ماماي، فيرتفع نحو 10 أمتار عن الشارع، وتقوم واجهته على قاعة مستطيلة بسقف خشبي مزين بزخارف مذهبة وملونة، على شكل "حدوة فرس"، محمول على أربعة أعمدة بزخارف على هيئة زهرة اللوتس.

أما الطابق السفلي، فيضم بابًا كبيرًا يؤدي إلى غرفة الإعدام التي لا تزال المشنقة معلقة بداخلها حتى الآن، إلى جانب ثلاث حجرات صغيرة كانت تستخدم كحجز للمتهمين، تتوسطها نافذة مفرغة تسمح بدخول الضوء والهواء.