أخفقت جهود أكثر من 80 دولة لصياغة خطط نهائية للتخلي عن الوقود الأحفوري خلال قمة الأمم المتحدة الثلاثين لتغير المناخ (كوب 30) في البرازيل ، وسط انقسامات عميقة حولها ، بيد أن الأعضاء تمكنوا من التوصل لاتفاق أقل طموحاً للتعاون الدولي بما يبقي العمل بشأن المناخ مستمراً.
وفي متابعة لمجريات القمة .. ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أن قمة البرازيل وُصفت بأنها حاسمة لأنها أظهرت قدرة 194 دولة على مواصلة العمل المشترك فيما بينها للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حتى في ظل انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من "اتفاقية باريس" للمناخ، وإعلانه أن الاحتباس الحراري "خدعة"، على حد وصفه.
وتعرضت البرازيل، الدولة المضيفة للمؤتمر، لضغوط شديدة حتى تتمكن من التوصل إلى اتفاق، يطلق عليه "جلوبال موتيراو"، وهو مصطلح يقصد به "العمل الجماعي"، وذلك في أعقاب فشل معاهدة الأمم المتحدة بشأن البلاستيك، وضريبة الانبعاثات العالمية للشحن البحري.
ونقلت الصحيفة عن المفوض المناخي للأمم المتحدة ووبكي هويكسترا قوله إنه كان هناك قيمة حقيقية للتوصل إلى اتفاق لإبراز العمل الجماعي والمتعدد الأطراف ؛ وذلك بعد أسبوعين من التفاوض خيم عليهما تهديدات بالانهيار، والتي استمرت حتى الليلة الأخيرة.
وتضمنت نقاط الخلاف الأساسية، التي شهدتها القمة، التمويل، والتكيف، والتجارة ، ووافق الاتفاق النهائي على مضاعفة التمويل بثلاث مرات بالنسبة للدول الساعية للتكيف مع التغيرات المناخية، وهو هدف لطالما عارضته الدول الغنية منذ البداية.
ولفت رئيس برنامج الأمم المتحدة للمناخ سيمون ستيل إلى أنه "لا يمكن القول إننا نحقق نصراً في معركة المناخ ، لكن ما لا يمكن إنكاره أننا مازلنا هنا، ونواصل القتال مجدداً".
ووجهت العديد من الدول على رأسها الاتحاد الأوروبي وبنما، انتقادات للتدابير التي استهدفت التوصل إلى اتفاقية منفصلة حول كيفية تكييف الدول لأنظمتها، وانتقدتها بأنها "غير مقبولة"، وقالت إنها "تتنافى مع الغرض" الذي جاءت من أجله.
وقالت (فاينانشيال تايمز) : إن الانقسامات تكشفت عندما اتُهمت البرازيل رئيسة قمة المناخ "كوب30"، بتجاهل الاعتراضات من دول مثل كولومبيا وبنما وأوروجواي في الجلسة الأخيرة ، التي تم تعليقها بصفة مؤقتة، كما دخلت وفود روسيا ودول أمريكا اللاتينية المعترضة في مناوشات وتلاسن أثناء إدلاء كلماتهم.
وبينما أخفق بيان الاتفاق النهائي لقمة المناخ، في إدماج خارطة طريق مقترحة لصياغة كيفية تخلص الدول من الاستهلاك الكثيف للنفط والغاز والطبيعي والفحم، فإن رئيس "قمة كوب30" أندريه كوريا دو لاجو قال إن البرازيل باعتبارها الدولة المضيفة سوف تستغل العام المقبل لتطوير خارطتي طريق لكل من الوقود الأحفوري والاستنزاف الجائر للغابات.
وقد دخل الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأخرى في خلاف بشأن الوقود الأحفوري وخطط العمل المناخي الوطنية، بينما فضلت الصين أن تنأى بنفسها بعيداً ، ومن جهتها، دعت الهند والدول الأفريقية إلى تقديم المزيد من التمويل إلى الدول النامية.
وقالت وزير البيئة الفرنسية مونيكا باربو : إن مجرد التوصل إلى اتفاق المناخ مثل هذا الوقت الذي شهد انسحاب الولايات المتحدة إلى الوراء، يُعد نوعاً من النصر .. مضيفة : "إنه اتفاق بدون طموح، لكنه ليس اتفاقاً سيئاً".
وتضمن الاتفاق خططاً لإنشاء "مسرع عالمي للتنفيذ"، ومبادرة تطوعية تستهدف دفع الجهود الرامية إلى إبقاء هدف "اتفاق باريس" للحد من ارتفاع درجات الحرارة "في متناول اليد" بغية الحد من ارتفاعها إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وحث الاتحاد الأوروبي ودول أخرى على ضرورة أن يستند هذا الاتفاق إلى الاتفاقية، التي اُبرمت قبل عامين في قمة المناخ "كوب 28" في دبي، والتي تستهدف التخلي عن الوقود الأحفوري بحلول عام 2050، ومضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة مرتين بحلول عام 2030.
ورأى وزير الطاقة والمناخ البريطاني إد ميليباند أن الاتفاق كان خطوة مهمة للأمام، ولاسيما في وقت تتعرض فيه الجهود المتعددة الأطراف لضغوط كبيرة.
وأضاف: "بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من اتفاق باريس، قال البعض إن ذلك سيؤدي إلى انهيارات متتابعة بيد أن ما نراه على أرض الواقع، هو أن أكثر من 190 دولة جددت تعهداتها بمقررات باريس".
وفي انعكاس للتوترات الجيوسياسية واسعة النطاق، ظهرت قضية التجارة أيضاً ضمن بنود الاتفاق بعد دفعة قوية قادتها الصين والهند اللتان انتقدتا ضريبة الكربون على الواردات التي خططت لها أوروبا..ومن المقرر إجراء نقاشات في يوليو المقبل لبحث "الفرص، والتحديات، والقيود" على التجارة، حسبما جاء في الاتفاق.
ولفتت الصحيفة إلى أحد المجالات التي حققت تقدماً بارزاً في قمة "كوب 30" للمناخ في البرازيل، تتمثل في سلسلة التعهدات المالية الجديدة وكان أهمها تعهدات بأكثر من 9 مليارات دولار كمبالغ إجمالية من بلدان متنوعة لوقف الجور على الغابات، التي ينتج عنها عُشر الانبعاثات العالمية.
واختتمت (فاينانشيال تايمز) رصدها لنتائج قمة "كوب 30" في البرازيل بتعليق رئيسة أيرلندا السابقة وعضو مجموعة الحكماء ماري روبنسون الذي قالت فيه: "هذا الاتفاق ليس مثالياً ويبتعد كل البعد عمّا يتطلبه العلم لكن في وقت تتعرض فيه التعددية للاختبار، فإنه من المهم للدول أن تواصل مساعيها المشتركة للمضي قدماً".