130 عامًا من النور والهداية.. دار الإفتاء المصرية تواصل دورها كمنارة للفتوى والتوجيه
تحتفل دار الإفتاء المصرية، اليوم الأحد، بمرور 130 عامًا على تأسيسها؛ مسيرة ممتدة صنعت خلالها دار الإفتاء دورًا راسخًا كمصباح هادٍ وسراج منير، يبدّد الحيرة ويضبط بوصلة الفتوى في مواجهة المستجدات والتحديات.
لمحة تاريخية
تعتبر دار الإفتاء المصرية من أولى دور الإفتاء في العالم الإسلامي؛ حيث أنشئت عام 1895م بالأمر العالي الصادر من الخديوي عباس حلمي، الموجّه لنظارة الحقانية بتاريخ 21 نوفمبر عام 1895م تحت رقم (10)، حسب ما جاء على موقعها الإلكتروني.
ومنذ إنشائها وإلى الآن، تقف دار الإفتاء المصرية في طليعة المؤسسات الإسلامية التي تتحدث بلسان الدين الحنيف، وترفع لواء البحث الفقهي بين المشتغلين به في كل بلدان العالم الإسلامي، فتقوم بدورها التاريخي والحضاري في وصل المسلمين المعاصرين بأصول دينهم، وتوضيح معالم الطريق إلى الحق، وإزالة ما التبس عليهم من أحوال دينهم ودنياهم؛ كاشفةً عن أحكام الإسلام في كل ما استجد على الحياة المعاصرة.
ودار الإفتاء المصرية أحد أعمدة المؤسسة الدينية في مصر، إلى جانب الهيئات الأربع الكبرى: الأزهر الشريف، وجامعة الأزهر، ووزارة الأوقاف، ودار الإفتاء المصرية. وهي تقوم بدور مهم وكبير في إفتاء القاعدة الجماهيرية العريضة، وفي المشورة على مؤسسات القضاء في مصر.
كانت الدار قد بدأت إدارةً من إدارات وزارة العدل المصرية؛ حيث تُحَال أحكام الإعدام وغيرها إلى فضيلة مفتي الديار المصرية طلبًا لمعرفة رأي دار الإفتاء على جهة المشورة في إيقاع عقوبة الإعدام وباقي أحكام القضاء، ولكن دورها لم يتوقف عند هذا ولم يُحدّ بالحدود الإقليمية لجمهورية مصر العربية، بل امتد دورها الريادي في العالم الإسلامي.
ويمكن التعرّف على ذلك الدور الريادي بمطالعة سجلات الفتاوى منذ نشأة الدار وإلى الآن؛ حيث ترد إليها الفتاوى من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وترد إليها البعثات من طلاب الكليات الشرعية من جميع بلدان العالم الإسلامي لتدريبهم على الإفتاء ومهاراته، لتأهيلهم للاشتغال بالإفتاء في بلادهم.
وهذا الدور الريادي للدار نشأ من مرجعيتها العلمية ومنهجيتها الوسطية في فهم الأحكام الشرعية المستمدة من الفقه المتوارث، على نحو من التوافق بين الرؤية الشرعية وحاجة المجتمع؛ وذلك لضبط العملية الإفتائية.
ومع التطور الحاصل في وسائل الاتصالات والمواصلات في العالم، ظلّت دار الإفتاء المصرية تواكب هذا التطور الهائل، وتضطلع بمهام جسام أملتها عليها تلك النقلة النوعية، وذلك الاتساع الضخم في الحوادث والنوازل المستحدثة في شتى المسائل العلمية.
كيف يُنتخب المفتي؟
يرأس دار الإفتاء المصرية المفتي، وهو منصب رفيع يُشترط في شاغله أن يكون عالمًا بأصول الفقه والشريعة، مُتقنًا للغة أجنبية ثانية، وملمًّا بقواعد اللغة العربية.
كما يشترط أن يكون معروفًا بالتقوى والورع في ماضيه وحاضره، وأن يكون قد تلقّى تعليمه كاملًا داخل المؤسسات الأزهرية منذ المعاهد وحتى كليات جامعة الأزهر.
ويجب أن يكون المفتي حاصلًا على درجة الدكتوراه، وأن يبلغ درجة الأستاذية في العلوم الشرعية أو اللغوية، إضافة إلى امتلاكه رصيدًا من البحوث والمؤلفات العلمية الرصينة المنشورة.
أما عن طريقة اختيار المفتي، فيدعو شيخ الأزهر هيئة كبار العلماء للانعقاد قبل انتهاء مدة المفتي الحالي بشهر على الأقل، للنظر في ترشيح المفتي الجديد.
وتقوم الهيئة بترشيح ثلاثة علماء من بين أعضائها أو من خارجها، ممن تنطبق عليهم شروط ومعايير تولي منصب المفتي. ثم تُجري الهيئة اقتراعًا سريًا مباشرًا بين المرشحين الثلاثة، في جلسة يكتمل نصابها بثلثي الأعضاء، ويُعد المرشح الحاصل على أعلى الأصوات—وبالأغلبية المطلقة للحاضرين—هو مرشح هيئة كبار العلماء للمنصب.
بعد ذلك، يرفع شيخ الأزهر اسم المرشح إلى رئيس الجمهورية، الذي يملك سلطة إصدار قرار تعيين مفتي الجمهورية.
وتبلغ مدة شغل منصب الإفتاء أربع سنوات، قابلة للتجديد بناءً على عرض من شيخ الأزهر وبعد أخذ رأي هيئة كبار العلماء، وفي جميع الأحوال، تنتهي مدة المفتي عند بلوغه السن القانونية المقررة لترك الخدمة.