طه عبد الوهاب.. «صوت المقام وروح التلاوة»
في المشهد القرآني المعاصر، يعلو اسم الدكتور طه عبدالوهاب، بوصفه أحد أهم أعمدة علم المقامات الصوتية، وأحد أبرز المدربين الذين أسهموا في صناعة نجوم التلاوة في مصر والعالم الإسلامي، جمع خلال مسيرته الطويلة بين موهبة الأداء وجدية البحث الأكاديمي، ليصبح مرجعًا لا غنى عنه لكل قارئ يسعى إلى إتقان المقامات بروحانية ووعي.
بداية مسيرة ملهمة
لم يكن طريق الدكتور طه نحو عالم المقامات وليد الصدفة؛ فقد ارتبط بالقرآن منذ شبابه، وبدأ مسيرته قارئًا في سن الثالثة والعشرين، وخلال اختباره للانضمام إلى الإذاعة المصرية، لفت الأنظار بقدرات صوتية لافتة، وبحسّ موسيقي فطري دفعه إلى التعمق في دراسة المقامات بشكل منهجي، ليبدأ رحلة طويلة من التخصص والانغماس في أسرار هذا العلم.
التعليم الأكاديمي
عزّز الدكتور طه عبدالوهاب خبرته العملية بدراسة أكاديمية جادة، حيث حصل على دكتوراه في المقامات القرآنية من كُلِّيَّة الدراسات القرآنية بجامعة الحضارة الإسلامية، الأمر الذي منحه مكانة علمية عالمية في مجال لا يزال نادرًا من حيث التخصص والدراسة الأكاديمية.
فلسفة تعليمية فريدة
يرى الدكتور طه أن المقامات القرآنية عالم مستقل تمامًا عن الموسيقى الشرقية والغربية، ويحذر دائمًا من الخلط بينهما. ابتكر أسلوبًا تدريبيًا خاصًا يقوم على تمثيل المقامات عبر أشكال هندسية ورموز بديلة عن النغمات الموسيقية التقليدية، مستخدمًا صيغًا صوتية مثل: «يا – را – في – عا – سا – ما – وات»، لتقريب المقامات إلى روح التلاوة ومعاني القرآن.
ويؤكد الدكتور طه عبدالوهاب أن كل مقام يحمل «طاقة روحية» خاصة، وأن إتقانه لا يعتمد على الأذن وحدها، بل على إدراك المعاني وتذوق النص القرآني.
الأثر التربوي والتدريبي
وعلى مدار سنوات، قدّم الدكتور طه عبدالوهاب دورات تدريبية في عدد من الدول العربية، وأسهم في تكوين جيل جديد من القرّاء الذين أصبحوا اليوم من الأصوات البارزة في الإذاعات والمسابقات الدولية، ومن أبرز تلاميذه: «الشيخ محمد الطاروتي – الشيخ طه النعماني – الشيخ محمد يحيى الشرقاوي» وغيرهم من الأسماء التي تمثل امتدادًا مباشرًا لمدرسته الصوتية.
وشارك دكتور طه عبد الوهاب في لجان تحكيم محلية ودولية، وتلقى تكريمات من مؤسسات عدة داخل مصر وخارجها، بينها تكريم من «جامعة القرآن الكريم» في المدينة المنورة تقديرًا لإسهاماته العلمية.
قدرة دقيقة على التقييم الصوتي
ويُعدّ حضور الدكتور طه عبد الوهاب ضمن لجنة تحكيم برنامج «دولة التلاوة» إضافة نوعية للمسابقة، لما يمتلكه من خبرة واسعة في علم المقامات القرآنية وقدرة دقيقة على التقييم الصوتي، و أسهم وجوده دكتور طه في الأسابيع الأخيرة في الارتقاء بمعايير التحكيم، عبر منهجيته العلمية التي تجمع بين ضبط الأداء، وحسن التنقل بين المقامات، وجماليات الصوت، مما جعل مشاركته عنصرًا محوريًا في إبراز المواهب الحقيقية وتوجيه الجيل الجديد نحو تلاوة أصيلة وواعية.
رؤى إعلامية وفكر تربوي
في لقاءات إعلامية متعددة، عبّر الدكتور طه عن رؤيته لبرامج من بينها «دولة التلاوة»، باعتبارها منصات تعيد الشباب إلى القرآن وتكشف المواهب الواعدة، وأوضح معاييره الدقيقة في تقييم القراء، والتي تشمل:«جودة التجويد، مخارج الحروف، درجة القبول الصوتي، التنقل بين المقامات، قوة الصوت والطبقات، والقدرة على تجسيد معاني الآيات».
ويشدّد على أن القارئ الحقيقي «ليس مجرد ناطق بالحروف، بل هو من يقوم بأفعال القرآن الكريم» ويترجم المعاني إلى أداء حي مؤثر.
تكريم وتقدير
يحظى الدكتور طه عبد الوهاب بتقدير مستمر من جهات رسمية ودولية، تقديرًا لمكانته ودوره في الحفاظ على تراث التلاوة، وترسيخ قواعد علم المقامات القرآنية، إلى جانب التأثير الواسع الذي تركه في أجيال من القرّاء والمدربين.
رؤية مستقبلية واضحة
ويؤمن الدكتور طه بأن الجيل الجديد قادر على التفوّق إذا ما حصل على التدريب العلمي الصحيح، ويرى أن التقنيات الحديثة ووسائل التعليم الرقمي تفتح آفاقًا جديدة لنشر هذا الفن، شرط الحفاظ على أصالته، وروحانيته، وقيمه الأخلاقية.
أحد أعمدة روح المقامات في مصر والعالم الإسلامي
يمثل الدكتور طه عبد الوهاب نموذجًا يُحتذى به في الجمع بين العلم الشرعي والدراسة الصوتية المتعمقة، من قارئ شاب إلى أحد أبرز المتخصصين في المقامات، ومن مدرب محلي إلى خبير دُوَليّ، نجح في بناء مدرسة صوتية متفردة، وإحياء روح المقامات لدى جيل كامل من القرّاء، ليصبح أحد أعمدة هذا الفن في مصر والعالم الإسلامي.