رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"النساء اللاتي قرأن في مصر".. حكاية القارئات المنسيات في دولة التلاوة

23-11-2025 | 16:10


مصحف

محمود غانم

في دولة التلاوة.. مصر؛ حيث وُلدت الأصوات التي تخشع لها القلوب وتُؤسَر لها الأسماع، وحيث شهد العالم أجمع روعة الأداء حتى قيل: "القرآن نزل في مكة، وجُمع في الكوفة، وقُرئ في مصر"، لم يكن المشهد يومًا حِكرًا على الرجال.

ففي بدايات القرن العشرين، برزت أصوات نسائية أخذت مكانها بثقة على ساحة الترتيل، تُنافِس وتُجيد، وتُدهش السامعين بخشوعها وعمقها، حتى أصبحت أسماء مثل سكينة حسن، ومنيرة عبده، وكريمة العدلية، ونبوية النحاس، علاماتٍ مضيئة في تاريخ التلاوة المصرية؛ قارئات حملن القرآن بأصواتٍ تخشع لها الروح وتأنس بها الآذان.

القارئات المصريات

تبدأ حكاية القارئات المصريات مع القارئة سكينة حسن، المولودة عام 1896 بقرية الروضة في مركز ملوى بمحافظة المنيا، والتي واجهت العمى منذ طفولتها.

حفظت القرآن الكريم في سن صغيرة، قبل أن تتفرغ لتعليم أبناء قريتها والقرى المجاورة. وكانت سكينة أول امرأة تتلو القرآن عبر الإذاعة المصرية، وأول من سجَّلت المصحف بصوتها على أسطوانات.

لكن رحلة سكينة القرآنية لم تُكمل طريقها؛ فبعد صدور فتوى تُحرِّم تلاوة المرأة للقرآن عبر الإذاعات بدعوى أن "صوتها عورة"، اضطُرت إلى ترك التلاوة واتجهت إلى الغناء، ليتحوَّل لقبها من "الشيخة سكينة" إلى "المطربة سكينة".

وتأتي بعد سكينة القارئة نبوية النحاس، التي يُرجَّح أنها وُلدت في أواخر القرن التاسع عشر وتوفيت عام 1973.

تميزت بصوت قوي وأداء رصين، واشتهرت بترتيل القرآن في تجمعات النساء داخل المناسبات الخاصة والمآتم والاحتفالات الدينية.

وتُعد النحاس آخر مصرية ترتل القرآن في احتفالات عامة ومناسبات دينية، وكان الاستماع إليها مقتصرًا على النساء.

وفي الحقبة نفسها برز اسم منيرة عبده، المولودة عام 1902 بحارة منيرة في السيدة زينب — وهي الحارة التي حملت اسمها تقديرًا لها لاحقًا.

وكانت منيرة كفيفة أيضًا، وأصبحت أول امرأة تُعتمَد رسميًا لتلاوة القرآن في الإذاعة المصرية عند افتتاحها عام 1934.

وقد دُعيت للقراءة في المناسبات النسائية والمعزّيات، في زمن كانت تُنصَب فيه سرادقات كاملة لعزاء النساء داخل ساحات البيوت.

أما القارئة الرابعة فهي الشيخة كريمة العدلية (1914 – 1975)، ابنة حي الجمالية بالقاهرة. توفي والدها وهي في الخامسة، فتولى شقيقها تحفيظها القرآن حتى أتمَّت حفظه وهي في الحادية عشرة.

درست ثلاثة أعوام في معهد الموسيقى العربية، وتعرَّفت خلالها على المقامات العربية وتعلمت العود، قبل أن تفقد بصرها بالكامل في سن الـ16 بعد معاناة طويلة مع ضعف النظر.

تزوجت كريمة من الشيخ علي محمود، سيد القراء، الذي كان يؤمن بموهبتها ويلازمها ليستمع إلى تلاوتها وتواشيحها في الليالي النسائية.

وكانت كريمة من أوائل المُنضَمّات إلى الإذاعة المصرية عند افتتاحها عام 1934، واستمرت في التلاوة حتى صدور الفتوى التي أوقفت قراءة النساء للقرآن عبر الإذاعة.

تلاوة النساء للقرآن

هذا، وتؤكد دار الإفتاء المصرية، في فتوى عبر موقعها الإلكتروني، أن تلاوة المرأة للقرآن بحضرة الرجال الأجانب تجوز مع الكراهة؛ لأن شؤون النساء مبنية على الستر، وشأنها الإسرار في العبادات؛ كالأذان، والفتح على الإمام، والتلبية في النسك، ونحوها، أما تسجيلها الصوت وسماعه مسجَّلًا فلا كراهة فيه؛ لأن المسموع حينئذٍ ليس هو عين صوتها، بل هو حكايته ومثاله، أشبه بصدى الصوت.

وتوضح أن صوت المرأة في حد ذاته ليس بعورة، وإنما الممنوع أداءً واستماعًا هو ما يُخشى معه من الفتنة كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32]، والخضوع بالقول: تليينه وترقيقه عند مخاطبة الرجال.