«الغرف العربية»: التصنيع في المنطقة لا يتجاوز 14% من الناتج.. وندعو لإنشاء ممر صناعي عربي–أوروبي
أكد الدكتور خالد حنفي، أمين عام اتحاد الغرف العربية، خلال الجلسة الحوارية رفيعة المستوى ضمن أعمال المنتدى الاقتصادي والتجاري الأوروبي المتوسطي 2025، أن إعلان برشلونة شكّل منذ انطلاقه إطارًا رؤيويًا وضع التعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة في قلب الاستقرار الإقليمي.
وأوضح أن الإعلان استطاع، على مدار ثلاثة عقود، تعزيز الحوار المؤسسي وتوسيع حركة التجارة والتبادل بين شعوب المنطقة، رغم ما مرت به من أزمات عالمية وإقليمية، مشيرًا إلى أن التحدي الأكبر حاليًا يتمثل في الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة التكامل الحقيقي، بحيث يتحول البحر الأبيض المتوسط إلى فضاء متكامل للصناعة والابتكار والإنتاج المشترك.
وفي سياق تحليله للمشهد الصناعي، أوضح حنفي أن منطقة المتوسط تشهد تغيرات عميقة بفعل التحولات في الطاقة والرقمنة والتصنيع الأخضر والاقتصاد الدائري، وهي تغيّرات تعيد صياغة القدرة التنافسية للدول. ورغم ذلك، لا تزال الصناعة أقل من مستوى التطلعات، إذ لا تتجاوز مساهمتها 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية، وأقل من 16٪ في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا.
وشدد على أن سد هذه الفجوة يتطلب بناء سلاسل قيمة إقليمية قوية، تربط شبكات الإنتاج بين الشمال والجنوب، إلى جانب الاستثمار المشترك في اللوجستيات والطاقة المتجددة ونقل التكنولوجيا، مؤكدًا أن اتحاد الغرف العربية يدعو إلى إنشاء ممر صناعي عربي–أوروبي يربط الموانئ والمناطق الصناعية والبنية التحتية الرقمية لتعزيز الإنتاج المشترك والصادرات إلى الأسواق الأفريقية والآسيوية.
وأشار أمين عام اتحاد الغرف العربية إلى أن الموقع الاستراتيجي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط يمنحها فرصًا اقتصادية كبرى في مجالات اللوجستيات والطاقة المتجددة والصناعة الخضراء.
ولفت إلى أن الأولويات الحالية تشمل تحديث البنية التحتية عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص وتطوير ممرات النقل والموانئ وربط شبكات الطاقة، إضافة إلى تسريع التحول الأخضر من خلال التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والمناطق الصناعية المستدامة.
كما أشار إلى أهمية الاستفادة من التحول الرقمي عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات وتقنيات الصناعة 4.0، بما يعزز الإنتاجية ويرسخ الاستدامة الصناعية، مؤكدًا دعم اتحاد الغرف العربية للمبادرات التي تربط القدرة التنافسية بالمسؤولية المناخية وفق اتفاقية باريس وأهداف التنمية المستدامة.
وخلال كلمته في إطار إطلاق "إعلان برشلونة" للقطاع الخاص، أكد حنفي أن الذكرى الثلاثين للإعلان تمثل فرصة لإعادة رسم رؤية جماعية للجيل المقبل، مشيرًا إلى ضرورة تعزيز آليات الحوار بين القطاعين العام والخاص ضمن إطار الاتحاد من أجل المتوسط، لضمان مشاركة القطاع الخاص في صياغة الأجندة الصناعية والتجارية للمنطقة.
وأوضح أن إطلاق الإعلان يمثل التزامًا متجددًا ببناء منطقة متوسطية أكثر مرونة وازدهارًا وتماسكًا، قادرة على تحويل التحديات العالمية إلى فرص إقليمية واعدة.
وأضاف أن مستقبل منطقة المتوسط لن يُبنى إلا عبر رؤية موحدة، تُحسن من خلالها الدول بناء المرونة الاقتصادية عبر التعاون، وتقاسم الرخاء عبر الحدود، واعتماد الابتكار لغة للتقدم والتنمية.
وأكد أن البحر الأبيض المتوسط ليس مجرد حدود جغرافية، بل أحد أهم الممرات الاقتصادية في العالم، إذ تعبره نحو 20% من التجارة البحرية العالمية، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب تحويل هذا الترابط الكبير إلى سلاسل قيمة متكاملة تخدم الإنتاج والصناعة والتصدير.
وفي هذا السياق، طرح حنفي عددًا من المبادرات، أبرزها إنشاء مركز لتبادل الهيدروجين المتوسطي يكون منصة لتسعير وتعاقد وربط منتجي الهيدروجين في الجنوب بالمشترين الصناعيين في أوروبا، إضافة إلى إنشاء سلسلة تصنيع للأغذية الزراعية المتوسطية مدعومة بنظام اعتماد موحد يقلل زمن الامتثال بنسبة تتراوح بين 30 و40٪.
كما دعا إلى تأسيس سلسلة أوروبية–عربية مشتركة للأمن الدوائي والصحي، عبر تنظيم سوق إقليمية للأدوية تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار، مدعومة بتجميعات صناعية عابرة للحدود ضمن إطار مبادرة MED-30.
وختم أمين عام اتحاد الغرف العربية كلمته بالتأكيد على أن المرحلة الحالية هي "عقد العمل وليس عقد الانتظار"، موضحًا أن المنطقة تمتلك المقومات الجغرافية والخبرات التاريخية التي تؤهلها لصناعة مستقبل اقتصادي متقدم، وأن بناء المستقبل لا ينتظر إذنًا من أحد، بل يتطلب شراكات فعالة ولغة مشتركة قوامها الصناعة والابتكار.
وأكد أن القوة الحقيقية للمنطقة لا تكمن في اختلافاتها، بل في سلاسل القيمة التي يمكن أن تنشئها بالتعاون، لتحويل البحر المشترك إلى مستقبل اقتصادي مشترك قائم على الاستقرار والتنمية والازدهار.