رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


دولة التلاوة.. نبات‭ ‬البلد‭ ‬الطيب

27-11-2025 | 14:04


طه فرغلي,

لم‭ ‬تكن‭ ‬أرض‭ ‬مصر‭ ‬الطيبة‭ ‬عبر‭ ‬الزمان‭ ‬إلا‭ ‬أرض‭ ‬جود‭ ‬تنبت‭ ‬بالخير، ‬وتجود‭ ‬بالكرم، ‬تطرح‭ ‬ثمارا‭ ‬يانعة‭ ‬بهية‭ ‬زاهرة‭. ‬

لم‭ ‬تعرف‭ ‬أرضنا‭ ‬الطيبة‭ ‬الجدب، ‬لا‭ ‬تبور‭ ‬أو‭ ‬تعقم، ‬تربة‭ ‬خصبة‭ ‬صالحة‭ ‬للزرع‭ ‬على‭ ‬الدوام‭. ‬

يظن‭ ‬الناس‭ ‬أنها‭ ‬شاخت‭ ‬فإذا‭ ‬هي‭ ‬عفية‭ ‬شابة،‭ ‬يشيب‭ ‬الزمان‭ ‬ولا‭ ‬تشيب‭ ‬أبدا،‭ ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يظن‭ ‬المتربصون‭ ‬أنها‭ ‬النهاية‭ ‬فإذا‭ ‬هي‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬يسطع‭ ‬نور‭ ‬مصر،‭ ‬يسد‭ ‬عين‭ ‬الشمس،‭ ‬ويبدد‭ ‬ظلام‭ ‬الدنيا‭. ‬

وحين‭ ‬يشرق‭ ‬نورها‭ ‬فهو‭ ‬سراج‭ ‬منير‭ ‬للعالمين،‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬مراء‭ ‬فيها‭  ‬ولا‭ ‬تخضع‭ ‬لقاعدة‭ ‬الجدل‭. ‬

مصر‭ ‬العفية‭ ‬القوية‭ ‬البهية‭ ‬قوة‭ ‬للعالم‭ ‬كله،‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬بالشوفينية‭ ‬ولكنه‭ ‬التاريخ،‭ ‬دروسه‭ ‬وعبره‭ ‬وما‭ ‬سجله‭ ‬عبر‭ ‬صفحاته‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬بدايتها‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬التاريخ‭ ‬حروفه‭ ‬الأولى‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬هنا‭.‬

وضعت‭ ‬مصر‭ ‬أساس‭ ‬الحضارة‭ ‬للعالم،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬بعدها‭ ‬نهل‭ ‬من‭ ‬معينها،‭ ‬كل‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬كانت‭ ‬بدايتها‭ ‬من‭ ‬هنا‭. ‬

أثر‭ ‬مصر‭ ‬العظيم‭ ‬سيظل‭ ‬باقيا‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬شرقه‭ ‬وغربه،‭ ‬شماله‭ ‬وجنوبه‭. ‬

البصمة‭ ‬المصرية‭ ‬تركت‭ ‬أثرها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مر‭ ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬تفاعلت‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الحضارات‭ ‬الأخرى‭ ‬وأضافت‭ ‬لها،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مصر‭ ‬يوما‭ ‬جامدة‭ ‬أو‭ ‬متحجرة،‭ ‬وكتاب‭ ‬الأعمدة‭ ‬السبعة‭ ‬للشخصية‭ ‬المصرية‭ ‬للمفكر‭ ‬الراحل‭ ‬ميلاد‭ ‬حنا‭ ‬فصل‭ ‬وأفاض‭ ‬في‭ ‬شرح‭ ‬ذلك‭.‬

تضيف‭ ‬مصر‭ ‬ولا‭ ‬تنتقص‭ ‬أبدا‭ ‬من‭ ‬الحضارات‭ ‬الأخرى،‭ ‬دخلت‭ ‬المسيحية‭ ‬فاصطبغت‭ ‬بصبغة‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬والنوابغ‭ ‬من‭ ‬المصريين‭.‬

 ‬وجاء‭ ‬الإسلام‭ ‬وكانت‭ ‬مصر‭ ‬درة‭ ‬التاج‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وعلماؤها‭ ‬ومفكروها‭ ‬وفقهاؤها‭ ‬صاروا‭ ‬نجوما‭ ‬زاهرة‭ ‬في‭ ‬الفقه‭ ‬ومختلف‭ ‬العلوم‭ ‬الشرعية،‭ ‬ويكفينا‭ ‬فخرا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أرضها‭ ‬الإمام‭ ‬الفقيه‭ ‬المجدد‭ ‬الليث‭ ‬ابن‭ ‬سعد‭ ‬الذي‭ ‬مدحه‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭ ‬قائلا‭ "‬الليث‭ ‬أفقه‭ ‬من‭ ‬مالك‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬تلاميذه‭ ‬لم‭ ‬يقوموا‭ ‬به‭".‬

اصطبغت‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالصبغة‭ ‬المصرية‭ ‬الخالصة‭ ‬وأضاف‭ ‬المصريون‭ ‬من‭ ‬روحهم‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬أحبوا‭ ‬آل‭ ‬بيت‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬ولكنهم‭ ‬لم‭ ‬يتشيعوا‭ ‬ولم‭ ‬يغالوا‭ ‬في‭ ‬حبهم،‭ ‬واستقاموا‭ ‬على‭ ‬سنة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يدافعون،‭ ‬وينافحون‭ ‬عنها،‭ ‬ولكنهم‭ ‬أبدا‭ ‬لم‭ ‬يتطرفوا‭ ‬أو‭ ‬يتشددوا،‭ ‬نبذوا‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتعصب،‭ ‬ولفظوا‭ ‬المتعصبين‭ ‬والإرهابيين،‭ ‬وثاروا‭ ‬ضد‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬الإرهابية‭ ‬عندما‭ ‬حاولوا‭ ‬اختطاف‭ ‬الدين‭ ‬والوطن‭.‬

 ‬وتبقى‭ ‬مصر‭ ‬منارة‭ ‬الإسلام‭ ‬الوسطي‭ ‬السمح،‭ ‬النبع‭ ‬الرقراق‭ ‬الصافي،‭ ‬كما‭ ‬نزل‭ ‬على‭ ‬خاتم‭ ‬المرسلين‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ومآذن‭ ‬الأزهر‭ ‬العالية‭ ‬الشامخة‭ ‬تبقى‭ ‬حصن‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬التفقه‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬لا‭ ‬يأمن‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬العظيمة‭ ‬نسيج‭ ‬واحد‭ ‬متصل‭ ‬لا‭ ‬منفصل،‭ ‬عروة‭ ‬وثقى‭ ‬لا‭ ‬انفصام‭ ‬لها،‭ ‬والشواهد‭ ‬دالة‭ ‬دامغة،‭ ‬المصري‭ ‬متدين‭ ‬بطبعه‭ ‬مقولة‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬التندر‭ ‬أو‭ ‬السخرية،‭ ‬ولكنها‭ ‬الواقع‭ ‬والحقيقة‭.‬

تدين‭ ‬المصري‭ ‬فصل‭ ‬واحد‭ ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬الحضارة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬النيل،‭ ‬لذلك‭ ‬يعشق‭ ‬المصريون‭ ‬حضارتهم‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬إلا‭ ‬حضارة‭ ‬بناء‭ ‬وعمران،‭ ‬وتوحيد‭ ‬وعقيدة‭ ‬ومبادئ‭.‬

احتضنت‭ ‬مصر‭ ‬الإسلام،‭ ‬وأصبحت‭ ‬قلعته‭ ‬وحصنه‭ ‬الحصين،‭ ‬ومنارته‭ ‬عبر‭  ‬العصور‭ ‬والأزمنة،‭ ‬إنها‭ ‬مصر‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬تجلى‭ ‬عليها‭ ‬الله‭.‬

والحالة‭ ‬التي‭ ‬أحدثها‭ ‬برنامج  "‬دولة‭ ‬التلاوة‭" ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬السطور‭ ‬السابقة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬نفس‭ ‬السياق،‭ ‬البصمة‭ ‬المصرية‭ ‬فرضت‭ ‬نفسها،‭ ‬وتبقى‭ ‬مقولة‭ "‬نزل‭ ‬بمكة‭ ‬وقرئ‭ ‬بمصر‭" ‬شاهدا‭ ‬ودليلا‭ ‬على‭ ‬تعلق‭ ‬المصريين‭ ‬بكتاب‭ ‬الله،‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬القرآن‭ ‬بأحكامه‭ ‬وتجويده‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬أرضنا،‭ ‬والمدرسة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬التلاوة‭ ‬شامخة،‭ ‬خالدة،‭ ‬متجددة،‭ ‬لا‭ ‬ينضب‭ ‬معينها‭.‬

بصمة‭ ‬قراء‭ ‬مصر‭ ‬العظماء،‭ ‬هي‭ ‬البصمة‭ ‬الرسمية‭ ‬لقراءة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬يقرأ‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم،‭ ‬ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬المدرسة‭ ‬المصرية‭ ‬هي‭ ‬المتسيدة‭.‬

دولة‭ ‬التلاوة‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬برنامج،‭ ‬ولكنه‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬حلقات‭ ‬الجود‭ ‬الذي‭ ‬تنبت‭ ‬به‭ ‬أرض‭ ‬مصر‭ ‬الطيبة،‭ ‬ثمار‭ ‬طازجة‭ ‬جديدة،‭ ‬وزهور‭ ‬يانعة،‭ ‬تمتع‭ ‬الأسماع‭ ‬وتروي‭ ‬الأفئدة،‭ ‬وتطمئن‭ ‬القلوب‭.‬

التفاف‭ ‬المصريين‭ ‬حول‭ ‬البرنامج،‭ ‬ليس‭ ‬مفاجئا،‭ ‬ولكنه‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬في‭ ‬سياقه‭ ‬الحضاري،‭ ‬شعب‭ ‬يمتلك‭ ‬إرثا‭ ‬حضاريا‭ ‬ضخما،‭ ‬ومهما‭ ‬طفى‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬زبد‭ ‬فحتما‭ ‬سيذهب‭ ‬جفاء،‭ ‬لأن‭ ‬المصريين‭ ‬لا‭ ‬يغرسون‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬ينفع‭ ‬الناس‭ ‬ويمكث‭ ‬في‭ ‬الأرض‭.‬

التحية‭ ‬واجبة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬العظيم‭ "‬دولة‭ ‬التلاوة‭"‬،‭ ‬فهو‭ ‬مشروع‭ ‬بحق‭ ‬كتب‭ ‬له‭ ‬النجاح‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬إلى‭ ‬النور،‭ ‬غرس‭ ‬طيب‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬طيب‭ ‬يخرج‭ ‬نباته‭ ‬طيبا‭ ‬بإذن‭ ‬ربه،‭ ‬وثماره‭ ‬سيجنيها‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬كله،‭ ‬بل‭ ‬والعالم‭ ‬أجمع‭ ‬وليس‭ ‬مصر‭ ‬فقط،‭ ‬وسيخرج‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬القراء‭ ‬الأفذاذ‭ ‬آلاف‭ ‬يزينون‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬بأصواتهم‭ ‬الندية،‭ ‬ويكملون‭ ‬مسيرة‭ ‬العمالقة‭ ‬من‭ ‬الرعيل‭ ‬الأول‭.‬