رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


كوبا على مشارف تحول تاريخي أبرزه اختفاء آل كاسترو من المشهد السياسي

14-1-2018 | 14:04


اختفاء آل كاسترو من المشهد الكوبي هو الملمح الأبرز في التحول التاريخي خلال العام الحالي الذي ستشهده كوبا تلك الجزيرة الواقعة في البحر الكاريبي شمال الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد في شهر أبريل القادم حيث أعلن الرئيس راؤول كاسترو الذي خلف شقيقه الراحل فيدل كاسترو في رئاسة البلاد عن تنحيه عن قيادة البلاد اعتبارا من شهر أبريل القادم ومن المتوقع أن يتولى نائبه سيجيل دياز كانيل ٥٦ عاما زمام السلطة ؛ وبذلك يضع التاريخ نقطة النهاية في الحقبة الكاستروية لكوبا.

وسوف يتنحى رؤول كاسترو ٨٦ عاما عن الرئاسة وليس عن السلطة وسيظل مؤثرا في الحياة السياسية باعتباره الأمين العام للحزب الشيوعي أقوى صانع للقرار في البلاد ، ولذلك فإن المراقبين للشأن السياسي الكوبي يرون أن كانيل يمكن أن يكون مطيعا سياسيا للحزب ساعده موقفه السياسي المعتدل على الارتقاء لأعلى سلطة في البلاد فيما يرى آخرون أنه سيكون مجرد رئيس برجماتي محكم في قبل نظام كاسترو.

سيتولى كانيل رئاسة البلاد وسط تحديات هائلة وصعوبات كبيرة أهمها الخروج من الحصار الاقتصادي ، الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على كوبا بعد الانتكاسة في العلاقات بين البلدين مرة أخرى في عهد الرئيس الحالي لأمريكا دونالد ترامب بعدما حظيت بانفراجة غير مسبوقة أثناء تولي باراك أوباما الرئيس السابق رئاسة أمريكا حيث وقع معاهدة صلح وأعاد العلاقات الرسمية مع كوبا التي استعدتها واشنطن لعقود طويلة.

وعلى أثر الأزمة الدبلوماسية المحيطة بالهجمات الصوتية المزعومة على الدبلوماسيين الأمريكيين في هافانا ، جاء قرار ترامب ليلغى الاتفاق مع كوبا بمفعول فوري منددا بسياسات كوبا وأعلن البيت الأبيض أن تحسن العلاقات مع هافانا في المستقبل يعتمد على اتخاذها خطوات ملموسة ، وتم فرض قيود جديدة على السفر والتجارة بين البلدين حيث سعت العقوبات الجديدة إلى إجبار نظام كاسترو على الالتزام بالقانون الأمريكي واستعادة حقوق الإنسان للمواطنين الكوبيين.

حظي آل كاسترو بدعم شعبي كبير طوال فترة حكمهما التي استمرت أكثر من نصف قرن رغم سياسة التضييق على الحريات وقضم المعارضة والتوجه الشيوعي للبلاد واعتمادها على نظام الحزب الواحد ، وإن كان فيدل كاسترو ومن خلفه شقيقه راؤول لم يعدا كما كانا في مخيلة قطاعات من الشعب الكوبي فإنهما ظلا طويلا (الرئيس الضرورة) لدى كثيرين بفضل جهودهما في مجالات التعليم والصحة إضافة إلى دور لا تخطئه عين في إنهاء سياسة التمييز العرقي.

فحكومات آل كاسترو عملت منذ عام 1959 على إزالة الفوارق الاجتماعية والطبقية وفي حكمهما اختفت معظم مظاهر التقسيم الطبقي والتمييز الاجتماعي وتساوى الجميع مع فوارق ضيقة في السلم الاجتماعي والاقتصادي.

على صعيد ذي شأن، ظلت كوبا طوال عهد الرئيس السابق فيدل كاسترو تعاني عزلة ووصل المناخ إلى مرحلة الشحن مع الولايات المتحدة لاسيما بعد أن فرضت واشنطن في العام 1961 حظرا تجاريا على كوبا ثم أصبح مسار العلاقة أكثر تعقيدا مع سماح كوبا للاتحاد السوفيتي السابق ببناء قاعدة صواريخ نووية على أراضيها.

ورغم مغادرة كاسترو السلطة في عام 2008 لمصلحة شقيقه الأصغر راؤول فإنه ظل شديد العدائية تجاه السياسة الأمريكية واتضح ذلك في رسالته المنشورة عشية زيارة الرئيس باراك أوباما لهافانا .. وقال فيها: "لا نحتاج من الإمبراطورية أن تمنحنا أية هدايا"..مضيفا :"إن الرئيس الأمريكي يفكر ولكنه لا يحاول أن يطور نظرياته حول السياسة الكوبية".

السياق الأهم على طريق الإصلاح في كوبا بعد رحيل فيدل كاسترو هو أن القيادة الراهنة برئاسة رؤول باتت أكثر بعدا من خرافة المؤامرة التي تهدف إلى تدمير البلاد..وأضحت أكثر عقلانية ومصلحية في قراءة معطيات ومتغيرات المشهد الدولي والإقليمي سيبقى آل كاسترو في الذاكرة على أنهما أعلا قيم المساواة والإخاء بين الكوبيين رغم فشلهما في قيادة البلاد إلى طريق النمو بسبب نظام اقتصادي مغلق ومثقل بالديون معتمدا على المعونات من الشركاء الأساسيين (روسيا والصين وفنزويلا) بالإضافة إلى تعزيز المؤسسات الديموقراطية رغم قوتهما ونفوذهما والكاريزما التي تمتعا بها.

لحياة في كوبا مرشحة لتغيير إيجابي في كثير من جوانبها حال استكمال خريطة الإصلاحات التي تسير ببطء، فكوبا لديها الإمكانات لتجاوز أزمتها في الداخل وفك عزلتها مع الخارج لكنها تبقى في حاجة إلى مصالحة سياسية براجماتية مع ذاتها ، والتقارب مع التوجهات السياسية المعارضة في الداخل بعيدا عن سياسة العصا الغليظة التي مازالت تشوه سياسة الانفتاح الكوبية.