رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حين تلتقي الحكمة بالجدل: قراءة تكشف ما وراء نص صامت بالمركز القومي للترجمة

1-12-2025 | 14:33


بوستر الكتاب

فاطمة الزهراء حمدي

يعود المركز القومي للترجمة برئاسة الدكتورة رشا صالح ليذكّر القرّاء بأحد أهم إصداراته التي تعيد فتح باب الأسئلة حول العقل والنص والدلالة.. الطبعة العربية من كتاب "تفسير سفر الأمثال وشرحه بالعربية" لـ سعديا جاؤون بن يوسف الفيومي، في ترجمة عربية دقيقة نقلها إلى الحرف العربي وقدّم لها وعلّق عليها الدكتور أحمد محمود هويدي.
في هذا العمل، لا يتعامل سعديا جاؤون مع "سفر الأمثال" باعتباره مجموعة عِبَر جاهزة، بل يكشف للقارئ الأسباب التي دفعته لتسميته "كتاب طلب الحكمة"؛ إذ يرى أن طالب الحكمة يحتاج إلى خمس دعائم أساسية توصله إلى مراده، ويعرضها بمنهج يُظهر عمق فهمه لمسائل علم الكلام، وقدرته على تفكيكها واستيعابها عبر مزج واعٍ بين العقل والرواية.
يبرز في تفسيره مبدأ النقل الذي اعتمده في صياغة تلك الدعائم الخمس، وهو المبدأ ذاته الذي يختم به قوله: (طوبى لإنسان وجد الحكمة ووفق له الفهم)، بينما تكشف نصوصه عن ميل واضح إلى تقديم العقل على الطبع، في موقف يعكس تأثره الواضح بمذهب المعتزلة القائم على إعمال العقل في كل مسائل العقيدة.
ويخرج القارئ من هذا الكتاب على رؤية غير مألوفة: فبينما لم يكن داود وسليمان يُلقّبان بالأنبياء في الكتابات اليهودية، يمنحهما سعديا هذا اللقب صراحة، كما يتجنب استخدام مصطلح "اليهود" في مقابل "المسلمين، رغم حديثه عن الملحدين وعبدة الأصنام والدهريين والمتجاهلين والبرهمة وغيرهم، في سياق يحاول فيه إعادة ترتيب الخريطة الفكرية لعصره بعيدًا عن التصنيفات الحادة.
لم يكن سعديا جاؤون مجرّد مترجم أو شارح لنصوص العهد القديم، بل كان مفكّرًا عقائديًا ذا مشروع متكامل، ترك ترجمات وتفاسير عربية لأسفار التوراة الخمسة، وسفر الأمثال، والمزامير، والجامعة، وأيوب، وغيرها من الأسفار. وقد أثبت من خلال هذا الإرث أنّ النص الديني، حين يُقرأ بعين واعية، يمكن أن يتوافق في آنٍ واحد مع معطيات العقل وقواعد النقل، دون أن يفقد قداسته أو عمقه.