حرب على المخدرات أم لإسقاط الحكم ونهب النفط؟.. فنزويلا بين فكيّ أمريكا
تتحرّك الولايات المتحدة الأمريكيّة نحو توجيه ضربات داخل العمق الفنزويلي، وهي خطوة ألمح إليها الرئيس دونالد ترامب علنًا، وجرى تمهيدها عبر حظر الطيران الذي فرضته واشنطن على أجواء هذا البلد الكاريبي، في إطار ما تُسمّيه الإدارة الأمريكيّة «الحرب على إرهاب المخدرات».
ودخلت الأجواء بين واشنطن وكراكاس حالة من التوتر الشديد، منذ أن بدأت الولايات المتحدة، في سبتمبر الماضي، شنّ هجمات على مقربة من السواحل الفنزويلية، بزعم محاربة المخدرات، فيما تؤكّد فنزويلا أن الولايات المتحدة تسعى إلى إسقاط نظام الحكم، وهو ما تتحدّث عنه الأخيرة أيضًا.
ومنذ وصول الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى السلطة عام 2013، لم تعترف الولايات المتحدة بحكمه، فضلًا عن أنها اعتبرت فنزويلا تهديدًا لأمنها القومي وفرضت عليها عقوبات.
أجواء ساخنة
بعد أن لمح ترامب، الخميس، إلى إمكانية بدء عمليات برية داخل فنزويلا قريبًا، عاد السبت ليعلن إغلاق المجال الجوي الفنزويلي بالكامل أمام شركات الطيران والطيارين و«تجّار المخدرات والمتاجرين بالبشر»، على حدّ تعبيره.
واعتبرت كراكاس قرار ترامب انتهاكًا صريحًا لسيادة البلاد ومقدمة لتحركات عسكرية أوسع.
وتدفع الولايات المتحدة بشكل واضح نحو إسقاط نظام الحكم في فنزويلا، حيث كشفت صحيفة «ميامي هيرالد» الأمريكية، الأحد، أن الرئيس دونالد ترامب أبلغ نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، خلال مكالمة هاتفية قصيرة جرت قبل أيام، بضرورة الاستقالة الفورية ومغادرة فنزويلا دون إبطاء.
وبحسب مصادر تحدّثت للصحيفة، فإن الاتصال بين الجانبين لم يدم طويلًا، بعدما قدّم مادورو سلسلة من الشروط مقابل خروجه من المشهد السياسي؛ من بينها الاحتفاظ بسيطرته على الجيش الفنزويلي إلى حين تنظيم انتخابات حرّة، إضافة إلى طلبه عفوًا دوليًا واسعًا يشمل نفسه والمقرّبين منه عن التهم الموجّهة إليهم.
لكن ترامب – وفق المصادر – رفض تلك المطالب، مكتفيًا بعرض ممرّ آمن لمادورو وزوجته سيليا فلوريس وابنهما، شرط أن يتم تنفيذه «فورًا ودون تأخير».
وشدّدت واشنطن، بحسب الصحيفة، على رفضها القاطع لبقاء الجيش تحت سيطرة مادورو، معتبرة أن ذلك سيُبقي الباب مفتوحًا أمام تشكيل «حكومة ظل».
وقد انتهت المهلة التي منحها الرئيس الأمريكي لـ«مادورو» الجمعة الماضية، وهو ما دفعه للإعلان السبت عن إغلاق المجال الجوي الفنزويلي، وفقًا لما أوردته وكالة «رويترز» للأنباء.
وتتّهم واشنطن مادورو بالضلوع في تجارة المخدرات وتهريبها إلى الأراضي الأمريكية، وهو ما ينفيه الأخير.
وفي المقابل، يتّهم مادورو الولايات المتحدة بالسعي نحو السيطرة على احتياطيات النفط في بلاده، وهي الأكبر في العالم، من خلال القوة العسكرية.
وهو ما يؤكّده مراقبون، حيث يقولون إن أبعاد الصراع أعمق من مسألة المخدرات، وترتبط بمصالح استراتيجية واقتصادية، في مقدمتها الأطماع الأمريكية في النفط الفنزويلي الذي تزخر به البلاد بكميات هائلة.
خيارات عسكرية
وعقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء أمس الاثنين، اجتماعًا في البيت الأبيض لبحث الخطوات المقبلة تجاه فنزويلا، بحضور عدد من كبار المسؤولين، بينهم وزير الحرب بيت هيجسيث، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كاين، ووزير الخارجية ماركو روبيو، بحسب ما نقلت شبكة «سي إن إن» عن مصادر مطلعة.
ورغم غياب معلومات عمّا انتهى إليه الاجتماع، فإن خيار توجيه ضربة في العمق الفنزويلي يبقى مطروحًا، بعدما كرّرت الإدارة الأمريكية الحديث عنه في أكثر من مناسبة.
وقد أفادت تقارير إعلامية، في الأيام الماضية، أن الولايات المتحدة تدرس خيارات عملية عسكرية محتملة ضد فنزويلا، قد تشمل توجيه ضربات لوحدات عسكرية داخل البلاد.
وقال وزير الحرب الأمريكي، بيت هيجسيث، صراحة في وقت سابق، إن الجيش جاهز للعمليات في فنزويلا، بما في ذلك تغيير النظام.
وبالفعل، حشدت الولايات المتحدة، خلال الأسابيع الأخيرة، قوة عسكرية كبيرة في منطقة الكاريبي، بالقرب من السواحل الفنزويلية، شملت نشر أكبر حاملة طائرات في العالم.
جاء ذلك بموازاة شنّ ضربات على أكثر من 20 سفينة في البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ، بزعم تورّطها في تهريب المخدرات، وأسفرت هذه العمليات عن مقتل 83 شخصًا على الأقل، وهو ما أثار جدلًا دوليًا حول ما يُعرف بـ«عمليات القتل خارج نطاق القانون».
وزيادة على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة، الشهر الماضي، عملية عسكرية تحت اسم «الرمح الجنوبي»، تستهدف ما تقول إنه «الجماعات والأفراد المرتبطون بالإرهاب وتجارة المخدرات في نصف الكرة الغربي» (حيث تقع فنزويلا).
وفي مواجهة هذا التصعيد، أصدرت القيادة الفنزويلية أوامر واضحة لقوات الجيش برفع مستوى الجاهزية والاستعداد الكامل تحسّبًا لأي تحرك عسكري أمريكي محتمل، في وقت تبدو فيه الأجواء السياسية والأمنية داخل البلاد شديدة التوتر.