رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عبد الرحمن الرافعي.. مؤرخ الحركة القومية المصرية

3-12-2025 | 13:03


عبد الرحمن الرافعي

فاطمة الزهراء حمدي

يظل عبدالرحمن الرافعي واحدًا من أبرز أعلام الفكر والتاريخ في مصر الحديثة، ورمزًا وطنيًا حمل على عاتقه توثيق مسيرة الكفاح المصري ضد الاحتلال، وتأسيس الوعي القومي عبر كتاباته ومواقفه السياسية، جمع الرافعي بين العمل الصحفي والنيابي والتأليف التاريخي، فكان شاهدًا حيًا على تحولات الدولة المصرية منذ مطلع القرن العشرين، ومشاركًا في صنعها، قبل أن يصبح مؤرخها الأبرز، وفي ذكرى رحيله، يعود اسمه ليتصدر المشهد، باعتباره أحد الذين أسسوا لمدرسة تاريخية منهجية رصينة لا تزال مرجعًا لا يُستغنى عنه حتى اليوم.

وُلد عبدالرحمن الرافعي في 8 فبراير 1889م بحي الخليفة بالقاهرة، وتلقى تعليمه في المدارس الحكومية قبل أن ينتقل مع أسرته إلى الإسكندرية، حيث التحق بمدرسة رأس التين الابتدائية عام 1898م بعد انتقال والده للعمل مفتيًا للمدينة. أنهى المرحلة الثانوية سنة 1904م، ثم عادت الأسرة إلى القاهرة، فالتحق الرافعي بمدرسة الحقوق وتخرج فيها عام 1908م.

بدأ «الرافعي» حياته العملية بممارسة المحاماة لفترة قصيرة لم تتجاوز شهرًا واحدًا، قبل أن يتجه إلى الصحافة محررًا في «جريدة اللواء» الناطقة باسم «الحزب الوطني» بدعوة من الزعيم محمد فريد، وهناك توثقت علاقته به وامتدت لسنوات طويلة. تأثر الرافعي بالحركة الوطنية التي كان يقودها مصطفى كامل، فانضم إلى الحزب الوطني فور تأسيسه عام 1907م.

عاد «الرافعي» لمهنة المحاماة عام 1910م، حين أسس مع أحد أصدقائه مكتبًا في الزقازيق، ثم انتقلا إلى المنصورة حيث أقام حتى عام 1932م، وشهدت تلك السنوات نشاطًا فكريًا واسعًا؛ إذ ألّف عددًا من كتبه الأولى وأسّس جمعية لمساعدة الفلاحين في قرى الدقهلية. وظل يكتب في الصحف المصرية مثل «العلم» و«الاعتدال»، وتولى منصب نائب رئيس تحرير «جريدة العلم» أثناء سفر شقيقه أمين الرافعي إلى بروكسل.

وكان الرافعي أول من دعا في مصر والعالم العربي إلى «حركة تعاونية» تنهض بالريف وتطوير الزراعة وتدعيم أسس الاستقلال السياسي، واضعًا بذلك أساسًا فكريًا مهمًا لفكرة التنمية الريفية. أصدر كتابه الأول «حقوق الشعب» عام 1912م، والذي كشف عن نزعة فكرية تجمع بين الفقه الإسلامي ومبادئ التنوير الأوروبي، ثم أصدر كتابه الثاني «نقابات التعاون الزراعي» عام 1914م، مؤكدًا أهمية التعليم ودور الدولة في تطوير الريف. اعتُقل الرافعي عام 1915 مع عدد من قيادات الحزب الوطني عقب إعلان الأحكام العرفية مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وأُفرج عنه بعد عشرة أشهر.

وفي عام 1922م أصدر كتابه المميز «الجمعيات الوطنية»، ليرصد فيه العلاقة بين التماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي في مصر الحديثة.

خاض «الرافعي» أول انتخابات برلمانية عقب صدور دستور 1923م، وفاز على مرشح حزب الوفد، وتولى رئاسة المعارضة داخل مجلس النواب، لكن المجلس لم يستمر طويلًا. عاد لعضويته مرة أخرى بعد انتخابات 1925م، إلا أنه حُلّ في يوم انعقاده. ابتعد الرافعي بعدها عن النيابة نحو 14 عامًا، قبل أن يعود عضوًا بالتزكية في مجلس الشيوخ حتى عام 1951م، وتولى خلالها وزارة التموين في حكومة حسين سري الائتلافية عام 1949م.

بدأ الرافعي كتابة سلسلته التاريخية الشهيرة بعد اعتزاله الترشح البرلماني، فأصدر عام 1929 الجزأين الأول والثاني من «تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر»، ثم «عصر محمد علي» في العام التالي، و«عصر إسماعيل» في جزأين عام 1932. وفي 1937 نشر «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي»، ثم «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية» عام 1939، و«محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية» الذي تناول فيه تاريخ مصر من 1908 حتى 1919.

كما أصدر كتاب «مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال» عام 1942، ثم كتاب «ثورة 1919» في جزأين عام 1946، وأتبعه بعمله الضخم «في أعقاب الثورة المصرية» في ثلاثة أجزاء بين 1947 و1951، والذي رصد فيه تاريخ مصر منذ 1921 حتى 1951. وبعد ثورة يوليو 1952 شارك في إعداد دستور 1953، وعُيّن نقيبًا للمحامين عام 1954، ثم أصدر «مقدمات ثورة 23 يوليو 1952» عام 1957، وكتاب «ثورة 23 يوليو» الذي تناول سبع سنوات من عمر الجمهورية الوليدة.

ترك الرافعي عشرات المؤلفات الأخرى، من أبرزها «أربعة عشر عامًا في البرلمان»، «شعراء الوطنية»، «مذكراتي»، و«الزعيم الثائر أحمد عرابي». وقد أجمع المؤرخون على أن الرافعي جمع كل ما أمكن من مصادر ومراجع في زمنه، مما جعل أعماله مرجعًا أساسيًا لدارسي التاريخ المصري والعربي.

نال المؤرخ الكبير جائزة الدولة التقديرية عام 1961م، ورحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 3 ديسمبر 1966م، بعد أن ترك تراثًا فكريًا وتاريخيًا لا يزال حاضرًا في وجدان الثقافة المصرية.