رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


يغرد وحده!

4-12-2025 | 10:35


السيد نجم,

الحياة الفكرية تقبل التعدد والاختلاف لإقامة الحوارات وطرح الاستنتاجات التي تحتاجها الجماعة العامة المشغولون في تفاصيل حياتهم اليومية. يعد الدكتور مراد وهبة 
من الأصوات التي تناقش وترجو طرح الحلول على الأقل من خلال رؤيته الفكرية، والملاحظ في حياتنا الثقافية عدم توافر ردود الفعل المرجوة سلبًا أو إيجابًا مع جملة آرائه. لذا، يعد إعداد ملف عن د. مراد على صفحات الهلال من محاسن الصحافة الثقافية التي انشغلت بالآني والموضوعات الإخبارية ونسيت أطروحات مستقبلية أو تلك القابلة للمناقشة لتناسب المستقبل، بل لعلها هي التي ستحمله من الغيب إلى الواقع الآن.
من المناسب الاقتراب من بعض تلك الأفكار والآراء والتوجهات التي قال بها د. مراد، بل حاول إنجازها أو التحاور حولها من خلال المحافل الأدبية، وخصوصًا جمعية ابن رشد التي أسسها منذ سنوات بعيدة، بالإضافة إلى وسائل الإعلام والصحافة. لديه أكثر من 20 كتابًا، منها: ملاك الحقيقة المطلقة، وجرثومة التخلف، وقصة الجمال وتاريخ الفلسفة، بالإضافة إلى ما كتبه عن ابن رشد تحديدًا.
من هو د. مراد وهبة؟
هو من درس وعمل في كلية التربية، جامعة عين شمس، منذ عام 1958. تم فصله مرتين، الأولى في عام 1981، والثانية في عام 1997، حيث قال له رئيس الجامعة: «أرجوك توقف عن التدريس لأن أفكارك تهديد للأمن القومي، فالطلبة لا ينامون»، ثم عاود التدريس في الكلية مرة أخرى عام 2022م.
من جملة أفكاره:
قال ذات حوار إننا نعيش القرن الثالث عشر على الرغم من أننا في القرن الحادي والعشرين، وقد استدل على ذلك أو قدم مبرراته بالقول إن الأحزاب السياسية في مصر بين طيات الملفات والأوراق وليس لها تأثير على الأرض ولا بين الناس، وإنه أرجع تلك الظاهرة أيضًا إلى غلبة فكر ابن تيمية الذي يعد بذرة أفكار داعش والإخوان والسلفية.
وقد حمل مسؤولية تلك الغيمة الفكرية لمناهج التعليم في الأزهر وكليات التربية، حتى إنه يرى بأنها وحدها التي تزكي التطرف في البلاد. وانتهى إلى مطلب أساسي للتصالح مع المتشددين أو المتطرفين الذين يعلنون خروجهم من تلك التشكيلات المتطرفة مثل جماعة الإخوان، إذ يرى أنه يلزم على ذاك المتطرف أن يتخلى عن ذهنية التطرف، أي عن الأفكار قبل الأفعال والحديث باللسان.
دور المثقف:
في المقابل، أعطى د. مراد للمثقف مكانة متميزة، يراه المثقف المتفاعل مع قضايا وطنه، وليس من يجلس خلف الجدران مع أوراقه فحسب. في المقابل، يرى تحميل المثقف مسؤولية بعض ما يراه سلبيًا في حياتنا الثقافية، وبالتالي فقد المثقف دوره، إلى حد أنه لم يواجه فكر التطرف بفكر ناضج وتحليلي علمي وبسيط يصل للجميع.
لماذا ابن رشد؟
مبكرًا انتبه د. مراد للأنموذج الذي يراه ناضجًا ومتطورًا وقادرًا على مواجهة سلبيات الآني الفكرية، على الرغم من كونه من عصور بعيدة، ألا وهو المفكر ابن رشد. فكتب عنه وتحدث حوله بل وشيد مؤسسة فكرية باسمه، حتى قال إن لهزيمة الظلمة الفكرية التي نعيشها الآن هو إحياء فكر ابن رشد، ورواج ما كتبه ونطق به.
ماذا يرى في الدين والتدين؟
تلك الحلقة الشائكة اقتحمها د. مراد ولم يتردد أن يعبر عن رأيه فيها، وبالتالي واجه الصعاب المتوقعة. فقد تبنّى فكرة مشاركة المثقف في مناقشة القضايا الدينية، ويقول في أحد حواراته:
«المؤسسة الدينية جزء من المجتمع، وأنا لا أرغب على الإطلاق في النظر إلى أي مؤسسة دينية على أنها قائمة بذاتها وتفعل ما تريد، لا أتقبل هذه الفكرة، والدين ليس حكرًا على المؤسسة الدينية، ففي الأصل من حق أي إنسان أن يكون متدينًا، وبعد التدين تنشأ المؤسسة الدينية، فأنت أولًا تؤمن بدين ما، ثم يتسع ويصبح معتقدًا، وبعد ذلك يكون في إطار مؤسسة دينية، وفي هذه الحالة ندخل في حوار مع المؤسسة الدينية».
كما أنه ممن يرون عدم تدريس مادة التربية الدينية بالمدارس، بحجة أنها تزكي العنصرية بين الطلبة، وفي حواره عبّر عن ذلك بقوله:
«في هذه الحصة يدخل المدرس، ويغلق الباب خلفه، ويقوم بالتدريس للطلبة، سواء أكانوا المسلمين أم المسيحيين، وأنت لا تعرف ماذا يقول، ويجد الطالب نفسه أمام الفصل الفكري، لأن المسلم يجد زميله المسيحي في فصل آخر، والعكس، وهنا فهو يتساءل: لماذا؟ من أجل تدريس هذه المادة؟ ليدرك أن عقيدته الدينية تختلف عن عقيدة زميله، وبالتالي فهذه الحصة تُربي في الطالب شعورًا بالتمييز، والتعصب لعقيدته، والتفرقة بينه وبين زميله، ولهذا فلا بد من إلغاء تدريس المادة الدينية في المدارس، وجعلها قاصرة على الأسرة».
دائرة حرجة وحساسة تلك التي تناولها د. مراد، ومع ذلك، ليس أقل من التعرف عليها ومناقشتها في نهاية الأمر.
ماذا عن الآراء في الاقتصاد؟
من يتابع كتابات د. مراد لن يغفل رؤيته الصريحة برفض ما كان يُعرف بالانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس أنور السادات، وقد برر ذلك بأن قرار الاستيراد دون تحويل عملة من البنوك يعني رواج العملة خارجها وعدم سيطرة الدولة، وهو ما حدث من مشاكل مالية في حينه (القرار صدر عام 1974م).
وقد ربط د. وهبة بين القرار ورواج الأفكار الأصولية الدينية التي نشطت وعبرت عن نفسها برواج ما عُرف بشركات توظيف الأموال.
خاتمة:
يعد نموذج د. مراد وهبة من النماذج الإيجابية والمختلفة التي تثير القضايا والأفكار والتفكير دون النظر إلى قائلها، سواء بالموافقة أو الرفض. كم نحن في حاجة إلى هذا النموذج.