رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الفيلسوف

4-12-2025 | 10:40


د. أشرف مؤنس,


يُعد الدكتور مراد وهبة من أبرز الفلاسفة المصريين الذين تصدّوا فكريًا لظاهرة الأصولية الدينية، وسعوا إلى إرساء مشروع عقلاني تنويري يستند إلى إرث الفلسفة الإنسانية الحديثة وإلى قراءة نقدية لتراث الفكر الإسلامي.
أصبح من الأسماء البارزة في الحقل الفلسفي العربي، يحلّل في كتاباته التحوّلات الفكرية والاجتماعية في العالم العربي، لا سيّما موضوعات التنوير، والعلمانية، وعلاقة الفكر الديني بالعقل، وقد أسهم في نشر هذا الخط الفكري عبر مؤلفاته ومحاضراته وأنشطته الأكاديمية وإشرافه العلمي.
وُلِد مراد وهبة بمحافظة أسيوط في 13 أكتوبر 1926، وتلقّى تعليمه الجامعي في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، ونال الدكتوراه من جامعة الإسكندرية، وشغل منصب أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، وهو عضو في مؤسسات فكرية وأكاديمية دولية، كما أسّس وتولّى مناصب قيادية في جمعيات تهتم بالتنوير والفكر العربي.
من أبرز مؤلفاته: "المذهب في فلسفة برجسون"، وهو دراسة في فلسفة هنري برجسون، وكتاب "قصة الفلسفة"، كتاب شامل يحكي تاريخ الفلسفة بطريقة مناسبة للقرّاء غير المتخصصين، وكتاب "مدخل إلى التنوير"، يتناول فكرة التنوير كما ظهرت في الفكر الغربي والعلاقات بين العقل والدين، وله أيضًا كتاب "الأصولية والعلمانية"، يحلّل فيه العلاقة بين الحركات الأصولية والدين من جهة، والعلمانية والعقلانية من جهة أخرى، وكتاب "فلسفة الإبداع"، يستعرض فيه مفهوم الإبداع من منظور فلسفي، وكذلك كتاب "جرثومة التخلف"، يناقش فيه أسباب التخلف في العالم العربي والإسلامي من منظور فلسفي ونقدي، وأيضًا كتاب "ملاك الحقيقة المطلقة"، وهو كتاب مهم في نقد الفكر الأصولي الذي يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة، و**”المعجم الفلسفي"، وهو معجم مصطلحات فلسفية لتعريف القرّاء والمثقّفين بالمفاهيم الفلسفية، و"سلطان العقل”**، يعرض فيه فكرة أساسية هي أن العقل يجب أن يكون له دور مركزي في الحياة المعاصرة، وكتاب "أفول العقل"، يناقش تراجع دور العقل في المجتمعات المعاصرة، خاصة في السياق العربي.
وتمثّل مؤلفات مراد وهبة مشروعًا فلسفيًا من زاوية "العقلانية في مواجهة الأصولية".
نشأ مشروع مراد وهبة في سياق عربي وإسلامي اتّسم بتراجع الخطاب العقلاني، وصعود الحركات الأصولية منذ سبعينيات القرن العشرين. وقد رأى وهبة أن الأزمة الأساسية للعقل العربي تكمن في "انفصاله عن التفكير العلمي" و"هيمنة التفسير الغيبي للنصوص والواقع".
ومن ثمّ، جعل هدفه الرئيس هو تحرير الفكر العربي من هيمنة النقل على حساب العقل، واستعادة روح الفلسفة التي قامت على التساؤل والنقد والبحث عن الحقيقة بالمنهج العقلي.
يمثّل ابن رشد عند مراد وهبة حجر الزاوية في مشروعه الفلسفي، فقد اعتبره رمزًا للعقلانية الإسلامية، وجسرًا يصل بين الفلسفة اليونانية والفكر الإسلامي، وبين الشرق والغرب.
كتب وهبة أن "الأصولية تكره ابن رشد، لأنه يفتح باب التأويل العقلي للنص"، ولذلك دعا إلى "إحياء الرشدية" باعتبارها حركة تحرّر للعقل المسلم من الجمود.
المحاور الفلسفية الأساسية في فكر مراد وهبة:
•العلمانية والتنوير:
يمثّل رفض الأصولية الدينية وتبنّي مشروع علماني قائم على فصل سلطة الدين عن إدارة الشأن العام أحد أعمدة فكر وهبة. يطرح وهبة العلمانية كشرط حداثي ضروري لتطوير مؤسسات المجتمع وتحقيق الحرية الفكرية. لقد كتب وتحدث عن الأصولية باعتبارها تهديدًا للتنوّع الاجتماعي والسياسي في المنطقة.
•نقد الأصولية والتطرف:
يحلّل وهبة الجذور الثقافية والسياسية للأصوليات ويعالج آليات انتشارها، مشددًا على أهمية التربية النقدية والعقلانية باعتبارهما مضادين لثقافة التطرف. كما يتعامل مع الظاهرة من منظورٍ تاريخي واجتماعي وفلسفي، وليس مجرد إدانتها الأخلاقية.
•فلسفة الإبداع والجمال (علم الجمال):
ضمّن مؤلفاته أعمالًا في فلسفة الجمال وإشكاليات الإبداع، حيث يعالج العلاقة بين الإبداع والواقع الاجتماعي، ويقترح قراءة فلسفية تسمح بفهم المواقف الإبداعية بوصفها معالجات نقدية للواقع لا هروبًا منه.
•الموقف من الحداثة والعقلانية:
يتبنّى وهبة عقلانية نقدية تنتقد الأخطاء والمغالطات، وتدافع عن قيم الحداثة بما يتيح مجالًا للحريات والابتكار النقدي. ومع ذلك، لا يقصد وهبة بنقده للتراث محوه؛ بل يدعو إلى قراءة نقدية للتاريخ الفكري من أجل تجديد المعرفة.
•الأثر المؤسسي والفكري:
أسّس مراد وهبة وأسهم في مؤسسات مثل الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير، ونشط في منابر علمية وفكرية أدت إلى نشر خطاب تنويري في دوائر البحث العام. كما أن مؤلفاته وكتبه (قصة الفلسفة، المعجم الفلسفي، الأصولية والعلمانية، ملاك الحقيقة المطلقة وغيرها) شكّلت مرجعًا لطلاب الفلسفة وعموم القرّاء.
•نحو عقل عربي جديد:
دعا مراد وهبة إلى ما سمّاه "ثورة في التفكير"، تعيد تشكيل مناهج التعليم والثقافة على أسس علمية، وتُرسّخ مبدأ الشك البنّاء بوصفه جوهر الفلسفة، واعتبر أن النهضة الحقيقية لن تتحقق إلا عندما يتحوّل العقل العربي من عقلٍ نقلي إلى عقلٍ نقدي، ومن عقلٍ غيبي إلى عقلٍ علمي.
تتمثّل نقاط القوة في مشروع مراد وهبة في وضوح الالتزام بالمبادئ العقلانية، وتنوّع الموضوعات (منطق، جمالية، نقد اجتماعي)، والإنتاج المؤسسي والمطبوعات التي طوّقت فكره بنطاقٍ واسع.
أمّا ما يُوجّه إلى مشروعه من نقد، فهو اتهام بعض التيارات له بأنه تبنّى خطابًا عقلانيًا غربي التأثير، أو أن مقاربته العلمية أقل تركيزًا على عناصر السلطة السياسية والاقتصادية التي تُغذّي الأصولية؛ كما أن تكرار بعض الموضوعات عبر كتاباته قد يُظهر نقصًا في تحديث أدوات التحليل في بعض الملفات المعاصرة.
وأخيرًا، يُعد مشروع مراد وهبة محاولة لإعادة تأسيس الفكر العربي على قاعدة العقل والتنوير، في مواجهة نزعات الانغلاق الأصولي. وقد جمع بين التحليل الفلسفي العميق والجرأة الفكرية، ليؤكد أن طريق التقدّم يمر عبر تحرير العقل من التقديس الأعمى للنصوص، وإعادة الاعتبار للإنسان بوصفه كائنًا مفكرًا.
هكذا يُعد مراد وهبة من المفكرين الذين يؤكدون على حرية العقل والنقد في مواجهة الأصوليات الدينية والفكر المطلق.