رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


متى تكون العلمانية هي الحل؟

4-12-2025 | 11:34


د. حسن حماد,

تبنى المفكر والفيلسوف الأكاديمي د. مراد وهبة منذ بداية حياته الفكرية مشروع العلمانية بوصفه هو المخلص أو المنقذ لمصر من هيمنة التيار الديني الرسمي وغير الرسمي، والحق أن الرجل ناضل نضالاً شريفاً ومخلصاً على مدار عشرات السنوات من أجل أن يحقق مشروعه انتشاراً جماهيرياً ويتغلغل في وجدان الجموع من أبناء الشعب المصري ولكن ظلت دعواه مجرد دعوة نخبوية، ولم تصل أصداؤها لوجدان الجماهير  المغُيبة والمفتونة بخطاب ديني هوسي ومتطرف، وإزاء هذا الوضع المأساوي أعلن د. مراد في إحدى الندوات منذ عدة سنوات اعتزاله وعزوفه عن الحياة الثقافية بما فيها مشروعه عن العلمانية، وهنا نتساءل لماذا  فشلت العلمانية في مصر، ولماذا لا نحاكي جماعة الإخوان ونقول: العلمانية هي الحل؟ 

الحق إنني لا أستطيع أن أضع شعار “العلمانية هي الحل“ في مقابل الشعار الذى يرفعه أنصار الإسلام السياسي: “الإسلام هو الحل“ الشعار الأخير للإسلام السياسي هو في اعتقادي مجرد صيغة سحرية، عودة للتفكير السحري الذى يجعل الكلمة مساوية للشيء وللفعل، ولذلك فشل الإخوان في السودان وانتهى الأمر بإفقارها وتقسيمها وترسيخ بنى التخلف بها. ولم يختلف مصير الإخوان في تونس عنه في السودان إذ تفاقمت الأزمة الاقتصادية وتراجعت السياحة وازدادت العمليات الإرهابية ولم يقدم حزب النهضة للحياة السياسية في تونس سوى الدمار والتخريب والانقسام، ولولا التراث العلماني لبورقيبة لانهارت تونس واختفت من الوجود. أما في مصر فقد نجح الإخوان في الوصول إلى سدة الحكم بعد أحداث 25 يناير ودانت لهم سيطرة شبه كاملة على مفاصل الدولة، ولكن يبدو أن الجماعة التي أدمنت العمل السرى كانت تحكم مصر بمنطق الجماعة المحظورة لذلك سعت إلى أخونة مؤسسات الدولة بدءاً من العمال وحتى الوزراء، وجرت عمليات تطهير سريعة لكل العناصر التي لا تنتمى إلى جماعة الإخوان مما خلق حالة من الاستياء العام لدى الجماهير المتطلعة إلى فجر الحرية الجديد، ولذلك سرعان ما احتشد الملايين من المصريين خاصة النساء والشباب وامتلأت الشوارع والميادين بهؤلاء الرافضين لمرسى وجماعته، وكانت ثورة 30 يونيه 2013 إيذاناً بسقوط الإخوان وجماعات الإسلام السياسي.

إذن شعار "الإسلام هو الحل" شعار ديماجوجي يخاطب جماهير محرومة سياسياً، وذات مزاج ديني أصولي، ومندفعة بيأسها إلى البحث عن مخلص، وعن منقذ لها يأخذ بيدها إلى شاطئ الحرية وإلى بر الأمان.

أما شعار "العلمانية هو الحل" فلن يكون سهلاً ومقبولاً في واقع مازال يئن تحت وطأة ثقافة لاهوتية يُسير مقاديرها فتاوى رجال الدين من داخل المؤسسة الدينية الرسمية وخارجها! 

 نعم ربما تكون العلمانية هي الحل، ولكن في ظل شروط ثقافية وسياسية وتعليمية مغايرة، فالمجتمع المصري مازال حتى كتابة هذه السطور يتعامل مع العلمانية بوصفها اصطلاحًا مرادفًا للإلحاد. 

والفضل في هذا يعود إلى وجود جهاز إعلامي منتهي الصلاحية، وإلى ارتفاع نسبة الأمية وفساد النظام التعليمي وانفراد الشيوخ بتشكيل عقل ووجدان الجماهير في ظل غياب المؤسسات الثقافية والسياسية - حتى رجال السياسة في بلادنا يخشون من استخدام كلمة العلمانية ويفضلون عليها الدولة المدنية. 

إن هؤلاء وغيرهم يجهلون أن العلمانية ليست ديناً بديلاً وليست كفراً أو ضد الدين، إنها ببساطة محاولة للفصل بين مؤسسات التعليم وبين المؤسسة الدينية على المستوى المعرفي، وهي أيضاً محاولة للفصل بين المؤسسات السياسية للدولة وبين الدين على المستوى الأيديولوجي.

 ورغم أن الاهتمام ينصب لدى المثقفين على الدعوة إلى علمنة المؤسسات السياسية إلا أنني أعتقد أن علمنة التعليم يجب أن تتزامن مع العلمنة السياسية.

نحن مرة أخرى أمام عقبة كؤود تسمى بالأصولية الدينية المتغلغلة في وجدان عدد لا يستهان به من أبناء الشعب المصري، المسألة تحتاج إلى كفاح ونضال مريرين لأن زعزعة وخلخلة صخرة الأصولية الوهابية في العالم العربي سيستغرق وقتاً طويلاً ونحن بحاجة إلى عشرات القيادات السياسية بقوة وجسارة ووزن “كمال أتاتورك“ و“الحبيب بورقيبة“ وبالمثل نحن بحاجة إلى مفكرين لديهم جرأة وقوة “فولتير“، “و دي هولباخ“، و “هلفشيوس“، “وجوك لوك“ وغيرهم من ممثلي حركة التنوير الأوروبية، ونحن بحاجة أيضاً إلى إحياء أفكار رواد التنوير في العالم العربي “شبلي شميل وسلامة موسى وطه حسين وإسماعيل مظهر...“. الأسماء كثيرة والأفكار أيضاً كثيرة ولكن لا بد من توافر مناخ من الحرية ومن الديموقراطية... والديمقراطية بغير علمانية لا معنى لها لأنها ستتحول إلى غلبة الأكثرية في مقابل قهر الأقلية. 

بكلمة واحدة العلمانية بلا حرية هي مجرد شعار بلا مضمون.