رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أفلحوا.. وصدق رسولُ الله!

4-12-2025 | 13:14


د.مجدى أبو الخير ,

لمَّا بَلَغ رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلَم- أَن أَهلَ فارسَ قد ملَّكوا عَلَيْهم بِنْتَ كِسْرَى قالَ: " لن يُفْلِحَ قَومٌ وَلَّوا أَمرَهم امرأَةً ". بظاهر هذا الحديث ذهب بعضُ علمائنا إلى عدم جواز تولي المرأة الولايات العامة والمناصب الكبرى كرئاسة الدولة والوزراء والوزارة والقضاء ونحوها.

وذهب البعض الآخر إلى أنه جاء في سياق حادثةٍ بعينها على وجه الخصوص لا العموم؛ إذ قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- لما علم بتمزيق كسرى لكتابه. فلما هلك كسرى على يد ابنه، وتولى بعده الملك قتل إخوته حرصًا على الملك، ثم مات بعد مقتل أبيه بعدة أشهر، فلما تولت بنت كسرى الملك، وعلم بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا الحديث.

فالحديث -إذن- نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات؛ إذ سقطت فارس وليس إخبارًا منه -صلى الله عليه وسلم- أن كل قوم يولون عليهم امرأة لا يُفلحون، فهى واقعةُ عينٍ لا عموم لها.

ويُعضّد تلك الوجهة، والتي نذهب إليها، نساءٌ بلغن من الحكمة ورجاحة العقل ما لم يبلغه الرجال قديمًا وحديثًا، نحو بلقيس ملكة سبأ، والتي ذكرها الله تعالى في قرآنه تكريمًا لها؛ لرجاحة رأيها وعقلها، وحسن تدبيرها مملكتها، وثاقب نظرها، وحسن تلقيها كتاب نبيّ الله سليمان عليه السلام، واستشارتها كبار رجال دولتها مع ردهم الأمر إليها؛ فكانت سببًا في نجاة وسلامة قومها إذ أسلمت مع سليمان لله رب العالمين.

الدكتورة (أنجيلا ميركل) عالمة الكيمياء والفيزياء، والتي قادت ألمانيا لستة عشر عامًا متتالية، أربع ولايات، فجعلتها رأسًا مقدمًا في أوروبا والعالم أجمع، وتخطت بها أزماتٍ ترنّحت من شدة وقعها دولٌ عظمى حتى لُقبت (٢٠١٦م) بأقوى امرأة في العالم. ورغم أن جيلًا بأكمله من الألمان لم يعرف قائدًا ولا زعيمًا له سواها إلا إنها وعن طيب خاطر سلّمت السلطة طواعيةً لجيل جديد بفكر جديد لإعلاء راية بلادها، ولو رامتها خامسةً لنالتها، وفعلًا سقط حزبها عقب رحيلها لصالح منافسه في الانتخابات التالية على رحيلها.

(مارجريت تاتشر) أول امرأة تتولى رئاسة وزراء المملكة المتحدة، وفترة حكمها في بلدها هي الأطول خلال القرن العشرين من (١٩٧٩م حتى ١٩٩٠م)، وقد لُقّبت بالمرأة الحديدية، والذي لازمها مدة حكمها وعرفت به.

 والطبيبة، دارسة الإستراتيجيات العسكرية (ميشال باشيلت) أول مَن فاز برئاسة (تشيلي) لمرتين منذ نحو قرنٍ من الزمان، تلك المرأة التي بكى الشعب بمختلف طوائفه يوم رحيلها عن السلطة، وشغلت بعدها منصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان.

وكذلك (حليمة يعقوب) أول رئيسة مسلمة محجبة لسنغافورة ما بين (سبتمبر٢٠١٧م وحتى سبتمبر٢٠٢٣م)، ورغم أنه منصب شرفي إلا أنها كانت تقود رابع مركز مالي في العالم. وغيرهن تقلدن الولايات العامة والوظائف الكبرى، فبرزن فيها، وكن مقدماتٍ ذات كفاءة عالية، ولربما ناء بحمل مهامهن الرجال، فضلًا عن غيرهن برزن في مجالاتٍ مختلفة كن فيها رائداتٍ.

ولسنا هنا بصدد القدح في علمائنا الذين اتخذوا الوجهة الأولى، أو حتى الردّ عليهم، أو تفنيد أسبابهم في ذلك. وإنما نحن مع الوجهة الأخرى لما يعضده الواقع على نحو ما مرّ، والنص القرآني الذي يقطع بإعلاء شأن المرأة ومساواتها بالرجل، إلا فيما قيّده الإسلام بنصٍّ صريح لا لبس فيه، مثل قوله تعالى: " فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ". وقوله تعالي: " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ".

ولا شأن للدين هنا بتفوق هؤلاء النساء أو إخفاقهن، وكذلك الحال بالنسبة للرجال؛ فلربما كانت إحداهن على غير ملة الإسلام وكانت رأسًا تشرئبّ من حسن صنيعها ورجاحة عقلها وسداد رأيها أعناقُ الرجال كميركل، وربما كان غيرها رجلًا مسلمًا وقاد بلاده إلى حيث تعلمون. نساءٌ منهجهن العمل الجادّ، وضالتهن الحكمة فأنّى وجدنها كُن أحق بها، لا ثرثرةً جوفاء، وضجيجًا نسمعه دون أن نرى طحينًا وحسب. فاللهم هيئ لأمتنا مَن يجعل هامتها عالية.