يستعد مئات الملايين حول العالم لمتابعة بطولة كأس العالم 2026، التي تنطلق في 11 يونيو المقبل وتستضيف الولايات المتحدة معظم مبارياتها، ولا يمكن تجاهل أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعد الأكثر مساهمة في حصول بلاده على حق استضافة البطولة، ورغم أنه غير معروف بولعه الكبير باللعبة، إلا أنه يبدي احتراما واضحا للشعبية العالمية التي تحظى بها كرة القدم ونجومها.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه على الرغم من حماسه لتنظيم كأس العالم، إلا أن سياسات إدارته نفسها تهدد أجواء الاحتفالات المرتقبة للبطولة.. فالإصرار على تنفيذ حملات مداهمة واسعة تستهدف مجتمعات المهاجرين يعد الخطر الأكبر الذي يلاحق ما أسمته المجلة ب "مونديال ترامب".
وأوضحت المجلة أن هذه الحملات تتركز عمدا في مدن ذات غالبية ليبرالية، وهي المدن نفسها التي ستستضيف مباريات المونديال، وقد تسببت هذه الحملات في احتجاجات واسعة وأعمال عصيان مدني وتوترات عامة، كما حدث في لوس أنجلوس خلال الصيف الماضي؛ ما نتج عنه دائرة تصعيد مغلقة، إذ تقود ممارسات سلطات الهجرة إلى مقاومة محلية واسعة في مدن لم تمنح ترامب دعما انتخابيا كبيرا، وهو ما ترد عليه السلطات بتشديد الإجراءات وتصعيد الخطاب المناهض للمهاجرين، وصولا إلى نشر قوات عسكرية (حرس الحدود) للتعاطي مع هذا الأمر.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه في المقابل، يشعر ذوو الأصول اللاتينية بمن فيهم المواطنون الأمريكيون بعدم الأمان أثناء حياتهم اليومية، فقد أثارت الوقائع الصادمة لتوقيف أو احتجاز مواطنين أمريكيين لمجرد مظهرهم اللاتيني موجة خوف واسعة، وأثر ذلك سلبا على الأحياء والمحال التجارية التي تعتمد على الجاليات اللاتينية بمختلف مستوياتها القانونية، وهي المجتمعات نفسها التي تشتهر بحماسها لكرة القدم.
وأضافت" ففي الظروف الطبيعية، يعد يوم مباراة لمنتخب المكسيك، على سبيل المثال، فرصة انتعاش اقتصادي في وسط لوس أنجلوس أو منطقة "ليتل فيليج" (مركز ثقافي لاتيني شهير) في شيكاغو، لكن هذا الأمر يصبح مستبعدا في ظل احتمال وجود دوريات لسلطات الحدود تفحص كل شخص لمجرد لون بشرته أو لغته".
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه في واقعة أخرى تعبّر عن حجم الأزمة، تم نقل مباراة ودية بين منتخبي الأرجنتين وبورتوريكو من شيكاغو إلى فلوريدا بسبب حالة الرعب التي أصابت الجاليات اللاتينية نتيجة المداهمات، وقد يبدو نقل مباراة من شيكاغو إلى فلوريدا خطوة تتماشى مع رغبات ترامب، إلا أن اللاتينيين ليسوا في مأمن هناك أيضا.. فقد تم تسجيل احتجاز سائح مكسيكي يحمل تأشيرة سارية بعد إيقافه في أحد الطرق، وذلك بسبب مظهره اللاتيني.
ونبهت المجلة إلى أنه في ولايات مثل فلوريدا وتكساس، حيث مُنحت الشرطة المحلية صلاحيات تنفيذ قوانين الهجرة، قد يؤدي أي اشتباك بسيط مع السلطات حتى بعد احتفال صاخب بتسجيل هدف إلى احتجاز أي أجنبي في ظروف قاسية ومهددة للحياة، وهو أمر حدث بالفعل مع أشخاص يحملون تأشيرات قانونية.
وبحسب "فورين بوليسي" يخشى مراقبون من أن تتحول مباريات كأس العالم نفسها إلى ما يشبه ب "الفخ".. فقد ألمحت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، خلال حديثها عن مباراة السوبر بول (البطولة السنوية للرابطة الوطنية الأمريكية لكرة القدم)، إلى أن وجود المغني اللاتيني باد باني في الحفل قد يدفع وكالة الهجرة لإرسال عناصرها إلى الحدث، رغم أن باد باني مواطن أمريكي، ويشير ذلك إلى احتمال استغلال مباريات كأس العالم، وخاصة تلك التي تشارك فيها منتخبات لاتينية، لتنفيذ حملات مداهمة.
وقد بدأت بالفعل - وفقا لفورين بوليسي - ملامح التوتر تظهر في الأحداث الرياضية الكبرى، ففي يونيو الماضي، لعب منتخبا المكسيك وجمهورية الدومينيكان مباراة في كاليفورنيا وسط ذروة الحملة الأمنية، ودفع القلق، الرئيسة المكسيكية كلاوديا شينباوم إلى مطالبة السلطات الأمريكية علنا بعدم التعرض للجماهير، وحتى المنتخب المكسيكي اضطر إلى تغيير فندقه بسبب اشتباكات بين محتجين ووكلاء الهجرة.
وأكدت المجلة الأمريكية أنه إذا كان ترامب يريد أن يضمن نجاح "موندياله" دون مشاهد بشعة لاعتداءات حكومته على جماهير جاءت للاحتفال بكرة القدم، فعليه اتخاذ خطوات عاجلة.
ولفتت المجلة إلى أن إدارته سبق وقدمت بالفعل تنازلا مهما عبر "تصريح فيفا" الذي يسهل دخول المشجعين إلى البلاد، ما يشير إلى رغبة براجماتية لضمان نجاح البطولة، لكن هذه الخطوة وحدها غير كافية، إذ يتعين تعليق مداهمات الهجرة أو تقليصها جذريا، وحصرها في عمليات قانونية ومحدودة لأقصى درجة طوال فترة البطولة، كما ينبغي على الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" الدفع بهذا الاتجاه ولو من وراء الكواليس..مضيفة" فرغم أن فيفا ليست معنية كثيرا بحقوق الإنسان، إلا أنها معنية بأن لا تتعطل أعمالها الأساسية، والمتمثلة في تنظيم بطولة آمنة تسعد الجماهير.. فقد قدمت الدول المنظمة للنسخ السابقة، تنازلات ملموسة خلال استعدادها للتنظيم، وذلك لضمان سلامة المشجعين، والتي شملت إجراءات ضد العنف والعنصرية وتطمينات حول معاملة جماهير مجتمع الميم، إضافة إلى استجابة ولو محدودة لانتقادات تتعلق بالعمال المهاجرين".
ورغم أهمية توفير أجواء هادئة ومطمئنة لجمهور المونديال، لكن تبدو مؤشرات التهدئة في الولايات المتحدة اليوم -وفقا للمجلة- قاتمة، خاصة بعد إعلان توسيع قائمة حظر السفر لتشمل مواطني 19 دولة، من بينها هايتي وإيران، وهما دولتان مشاركتان في كأس العالم.
وذكرت "فورين بوليسي" أنه بينما يدرك مليارات البشر أهمية بطولة كأس العالم وشعبيتها الطاغية، يبقى الأمل أن تقام بطولة 2026 دون أن يعكر صفوها مشهد مداهمات الهجرة، وأن وقف هذه الحملات -بلا شك- هو ما قد يستحق "جائزة فيفا للسلام".