في ذكرى ميلاد شريهان.. نجمة صنعت مجدها بالإرادة قبل الأضواء
تحلّ علينا اليوم السبت ذكرى ميلاد النجمة الكبيرة شريهان، واحدة من أبرز أيقونات الفن الاستعراضي في العالم العربي، وصاحبة المسيرة اللامعة التي جمعت بين الموهبة الفذة والإرادة الصلبة والتجربة الإنسانية المدهشة، لتصنع لنفسها مكانة استثنائية في ذاكرة الجمهور المصري والعربي.
وُلدت شريهان في 6 ديسمبر 1964 بحي الزمالك في القاهرة، داخل أسرة ارتبطت بالفن والقانون؛ فوالدها المحامي أحمد عبد الفتاح الشلقاني أحد أعلام المهنة، ووالدتها عواطف محمود هاشم سيدة أعمال ناجحة، فيما كان أخوها غير الشقيق الموسيقار الراحل عمر خورشيد أول الداعمين لموهبتها، قبل أن يلفت انتباه الفنان عبد الحليم حافظ إليها.
بدأت شريهان خطواتها الأولى في عالم الفن وهي طفلة، بعد سنوات من دراسة الباليه والرقص التعبيري في باريس ولندن ومدريد، قبل أن تشارك في أفلام "ربع دستة أشرار" و"قطة على نار"، وفي الثمانينيات قدمت أدوارًا لافتة في السينما من بينها "العذراء والشعر الأبيض"، "خلي بالك من عقلك"، "الطوق والإسورة"، و"عرق البلح"، قبل أن تصبح على المسرح واحدة من أهم نجمات الاستعراض، من خلال أعمال شكّلت علامة في تاريخ المسرح المصري، مثل "سك على بناتك" "علشان خاطر عيونك" و"شارع محمد علي".
ومع منتصف الثمانينيات، خطفت شريهان قلوب الجمهور العربي عبر فوازير رمضان التي تحولت معها إلى نجمة استثنائية؛ قدّمت "ألف ليلة وليلة"، "حول العالم"، ثم "حاجات ومحتاجات" عام 1994، لتصبح رمزا لفن الاستعراض بخفة ظل وأداء حركي مبهر تفردت به شريهان.
لكن مسيرة النجمة اللامعة لم تكن مفروشة بالورود؛ فقد واجهت سلسلة من الأزمات القاسية التي كانت كفيلة بأن تُنهي مسيرة أي فنان، بدءًا من حملات صحفية حاولت تشويه صورتها في ذروة نجاحها، مرورًا بـ حادث أليم عام 1990 أدى إلى كسر في العمود الفقري وأمضاها عامين كاملين طريحة الفراش، وصولًا إلى إصابتها بـ سرطان الغدد اللعابية الذي أثّر على ملامحها ووزنها، وأجبرها على الانزواء بعيدًا عن الأضواء لسنوات طويلة.
ورغم كل ذلك، لم تفقد شريهان شغفها بالفن، فعادت بعد محنتها الأولى لتقف على خشبة المسرح في "شارع محمد علي" بعد تدريبات مرهقة تجاوزت 12 ساعة يوميًا، مصممة ألا تتنازل عن الجودة ولا تترك لنفسها فرصة للشعور بالعجز.
وظلّت طوال مسيرتها نموذجًا للوفاء لزملائها ولروح الفريق، وهو ما كشفته في مواقف إنسانية عديدة، منها رفضها تقديم أحد العروض بعد تعرض بطل المسرحية هشام سليم لوعكة صحية حادة.
وفي سنوات المرض الطويلة التي تنقلت خلالها بين العواصم بحثًا عن العلاج، لملمت شريهان شتات روحها قبل جسدها، وواجهت محنتها بالصبر والإصرار، حتى عادت إلى جمهورها عام 2021 بمسرحية "كوكو شانيل" التي أعادت بها حضورها الفني بعد نحو 19 عامًا من الغياب.
وخارج الأضواء، خاضت الفنانة رحلة إنسانية لا تقل صعوبة، فقد فقدت والدتها الداعمة الأولى، ثم شقيقها عمر خورشيد الذي شكّل رحيله صدمة مبكرة في حياتها، كما أثارت حياتها الشخصية اهتمامًا واسعًا بعد زواجها من رجل الأعمال علاء الخواجة وإنجابها ابنتيها لؤلؤة وتالية القرآن.
ومع ذلك، بقي الشيء الثابت في حياة شريهان هو محبة الجمهور.
فبرغم الغياب الطويل، ظلّت حاضرة في الذاكرة الجمعية للشعب المصري والعربي بوصفها "النجمة التي تُحبها القلوب قبل العيون"، وبأنها الفنانة التي صنعت للفرح لغته الخاصة في زمن الفوازير، وقدّمت على المسرح أدوارًا أصبحت جزءًا من تاريخ الاستعراض المصري.
وفي ذكرى ميلادها اليوم، تعود سيرة شريهان لتؤكد أن الموهبة وحدها لا تصنع نجومية، بل تصنعها الإرادة التي واجهت بها المرض، والاحترام الذي منحته لفنها، والصدق الذي قدّمته لجمهورها. لتبقى واحدة من أهم نجمات جيلها وأكثرهن تأثيرًا وبريقًا.