زياد عبد التواب يكتب: الكشري المصري.. أكلة شعبية وشهادة عالمية
قد يبدو للبعض أن خبرا مثل إدراج "الكشري المصري" على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لعام 2025 هو خبر بسيط لا يستحق كل هذا الاحتفاء، بل ربما يذهب البعض إلى الاستهانة بما تم من جهود من أجل هذا الحديث أو يراه البعض الآخر لا يحمل أي قيمة على الإطلاق وأن ما تم هو مضيعة الجهد والوقت والمال ولكن دعونا ننظر إلى الأمر بصورة مختلفة، وهو أنك وجدت دولة ما تقوم بتسجيل أكلة مصرية صميمة و تدعى أنها هي الأصل أو فلنذهب بالأمر إلى أبعد من ذلك و نقول أن دولة أخرى سجلت الاهرامات كبناء معماري خاص بها وليس لمصر ولا للمصريين أي حق فيهم، أبسط شيء ستشعر بالغضب والإهانة وهى مشاعر لحظية و لكن على المدى البعيد وعلى النطاق الأوسع ستجد تبعات قانونية مرتبطة بتلك الملكية ستمنح الآخرين ما ليس هو حق لهم و ستسلبه منك ومن بلدك.
ولذلك دعونا نعود إلى خبر الإعلان عن هذا التسجيل والذي جاء فيه أن الكشري هو العنصر الحادي عشر المسجّل باسم مصر على قوائم التراث غير المادي، فما هي العناصر العشرة السابقة له، فمعرفتها ستعطينا إشارة إلى مدى أهمية هذا الأمر، فرحلة تسجيل عنصر تراثي ليست مجرد أوراق تُقدَّم، بل هي جهد جماعي يبدأ من الممارسين أنفسهم والعملية شاقة وبها الكثير من الإجراءات وهناك نوعان من التسجيل أولهما التسجيل المنفرد والذي لا يسمح به إلا مرة كل سنتين أما النوع الثاني فهو التسجيل المشترك بين أكثر من دولة.
وبالعودة إلى الدكتورة نهلة إمام، مستشار وزير الثقافة للتراث غير المادي وممثل مصر باتفاقية التراث غير المادي والتي تقوم بجهد كبير مع فريق العمل والوفد المصري المشارك، نجد أن العناصر العشرة السابقة هم: السيرة الهلالية والتحطيب والأراجوز والنسيج اليدوي في صعيد مصر والخط العربي والاحتفالات المرتبطة برحلة العائلة المقدسة وممارسات النخلة والفنون والمهارات المرتبطة بالنقش على المعادن مثل الذهب والفضة والنحاس وألة السمسمية (تسجيل مشترك) وطقوس وممارسات الحناء الجمالية والاجتماعية.
والحقيقة أنه لا يمكن تجاهل الرسالة السياسية والثقافية التي يبعث بها هذا النجاح. فالدولة المصرية، كما يظهر من تصريحات معالي الوزير الأستاذ الدكتور أحمد هنو، تسعى إلى توثيق وحماية تراثها، لا بوصفه مجرد أرشيف، بل باعتباره رافعة للهوية ومجالًا للتعاون مع المجتمعات المحلية وهذا الجانب تحديدًا هو ما يعيد بناء العلاقة بين الدولة والمواطن في ملف الثقافة لكي يشعر الناس بأن ما يفعلونه كل يوم يستحق أن يكون جزءًا من صورة مصر أمام العالم.
وبغض النظر عن تلقف البعض للخبر ببعض الدعابة إلا أنه يجب علينا جميعا أن نفخر بتراثنا ونعمل على صونه وتسجيله فلهذا الأمر قيمة أدبية كبيرة بالإضافة إلى الكثير من الفوائد الاقتصادية والتسويقية يطول شرحها وربما تحتاج إلى مقالات منفصلة.
المشوار طويل ورحلة الألف ميل دائما ما تبدأ بخطوة يليها خطوات، نحتاج فقط إلى التمسك بالإصرار والمثابرة والإخلاص لنصل بصورة بلدنا إلى المكانة التي تستحقها عبر العصور وفى مختلف المجالات.