عاودت إسرائيل من جديد عدوانها على لبنان، متجاوزة سيادة هذا البلد العربي ومخالفة اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين الجانبين، في وقت تتصاعد فيه مؤشرات التوتر في الأجواء، وسط أنباء عن استعداد جيش الاحتلال لشن هجوم واسع على ما يزعم أنه أهداف تابعة لـ«حزب الله» اللبناني.
عدوان إسرائيلي على لبنان
أغار جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، على مناطق في جنوب وشرق لبنان، بزعم استهداف مواقع تابعة لـ«حزب الله».
وتكرر إسرائيل مرارًا وتكرارًا انتهاك سيادة لبنان بذريعة استهداف بنى تحتية للحزب، فيما يُعد خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم.
وذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم، أنه هاجم للمرة الثانية هذا الأسبوع ما زعم أنها بنى تحتية عسكرية تابعة لـ«حزب الله» في مناطق الجنوب اللبناني.
وأوضح الجيش، في بيان، أنه استهدف مجمع تدريب لقوة الرضوان في جنوب لبنان يستخدمه الحزب لتأهيل عناصره.
وزعم أن عناصر «حزب الله» خضعوا في المكان المستهدف لتدريبات على الرماية وعلى استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة.
وفي المقابل، أفادت وكالة الأنباء اللبنانية بأن الطيران الإسرائيلي شن أربع غارات على وادي زلايا في البقاع الغربي (شرق لبنان)، فضلًا عن شن أربع غارات على المحمودية والجرمق قرب العيشية في منطقة جزين (جنوب لبنان).
كما أغار على المنطقة الواقعة بين الزرارية وأنصار (جنوب لبنان)، وبين تفاحتا والبيسارية (جنوب لبنان)، بجانب تبنا ووادي بنعفول (جنوب لبنان).
ومن جانبه، أكد وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجي، أن لبنان تلقى تحذيرات من جهات عربية ودولية تفيد بأن إسرائيل تحضر لعملية عسكرية واسعة ضد البلاد.
وأشار الوزير اللبناني إلى أن الاتصالات الدبلوماسية تتكثف في هذه المرحلة بهدف تحييد لبنان ومرافقه عن أي ضربة إسرائيلية محتملة.
وقال إن «سلاح حزب الله» أثبت عدم فعاليته في إسناد غزة أو في الدفاع عن لبنان، بل جلب للاحتلال الإسرائيلي الذرائع والتوترات، على حد قوله.
وذكر أن الدولة اللبنانية تجري حوارًا مع «حزب الله» من أجل إقناعه بتسليم سلاحه، إلا أن الحزب يرفض ذلك حتى الآن.
يأتي ذلك في وقت تحدث فيه إعلام عبري عن أن جيش الاحتلال وضع خطة خلال الأسابيع الأخيرة لشن هجوم واسع ضد مواقع تابعة لـ«حزب الله».
غير أن ذلك، وفق المصدر ذاته، يظل مرهونًا بفشل الحكومة والجيش في لبنان بتنفيذ تعهدهما بتفكيك سلاح الحزب قبل نهاية عام 2025، حسب زعمه.
وقال الإعلام عن مصادر أمنية عبرية، إن الخطة التي أعدتها قيادة الجيش بمشاركة قيادة المنطقة الشمالية وشعبتي الاستخبارات والعمليات، تأتي تحضيرًا لاحتمال انهيار المساعي السياسية التي تقودها بيروت لتجريد «حزب الله» من سلاحه.
وبحسب المصادر، فإن سلاح الجو أجرى في الأيام الماضية تدريبات واسعة في الأجواء الداخلية وفوق البحر المتوسط، شاركت فيها مقاتلات، بهدف رفع الجاهزية لاحتمال تنفيذ العملية العسكرية في جنوب لبنان.
وأبلغت تل أبيب «واشنطن» بأنها ستتحرك بنفسها لنزع سلاح «حزب الله»، إذا لم يتم ذلك بشكل فعّال، حتى لو أدى الأمر إلى أيام من القتال أو إلى تجدد المواجهات على الجبهة الشمالية، وفق ما أورده الإعلام عن مسؤول أمني وصفه بـ«الكبير».
وفي المقابل، فإن واشنطن نقلت التحذير الإسرائيلي إلى لبنان، الذي أوضح أن العملية معقدة وتتطلب وقتًا إضافيًا لتحقيق المتطلبات التي وُضعت.
خلفية الصراع
وبين الثامن من أكتوبر 2023 وحتى السابع والعشرين من نوفمبر 2024، دارت مواجهاتٌ بين «حزب الله» وإسرائيل، تحوّلت في سبتمبر من العام الماضي إلى حرب مدمّرة، قبل أن تبدأ تل أبيب في أكتوبر من العام نفسه توغّلًا بريًا في الأراضي اللبنانية.
وجاء اندلاع المواجهات أساسًا على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ ربط «حزب الله» وقف هجماته بإنهاء الحرب على غزة، لكنه لم يتمكّن من الالتزام بذلك تمامًا تحت ضغط داخلي متزايد طالب بوقف الحرب التي أنهكت لبنان.
وعلى الرغم من أن «حزب الله» أبدى التزامًا باتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في نوفمبر 2024 برعاية أمريكية، وتوقف فعليًا عن مهاجمة البلدات الإسرائيلية، فإن إسرائيل انتهكت الاتفاق مئات المرات، بذريعة استهداف عناصر من الحزب أو مواقع يُقال إنها تابعة له.
وتستند إسرائيل في تصعيدها الأخير ضد لبنان إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي نصّ على تفكيك جميع المنشآت العسكرية غير المرخصة والمعنية بصناعة السلاح داخل الأراضي اللبنانية، ومصادرة الأسلحة غير المرخصة، بدءًا من منطقة جنوب الليطاني.
وقد حظي المطلب الإسرائيلي بدعم واضح من الولايات المتحدة الأمريكية، التي مارست ضغوطًا شديدة على الحكومة اللبنانية لحصر السلاح في يد الدولة وحدها.
وفي هذا الإطار، اتخذت الحكومة اللبنانية بالفعل خطوات ملموسة، إذ أصدرت في أغسطس الماضي قرارًا يقضي بحصر السلاح — بما في ذلك سلاح الفصائل الفلسطينية و«حزب الله» — بيد الدولة، وتكليف الجيش بوضع خطة لتنفيذ ذلك قبل نهاية عام 2025.
وباشر الجيش اللبناني تنفيذ القرار من خلال تسلّم أسلحة من بعض الفصائل المسلحة داخل البلاد، غير أن العملية واجهت تعقيدات عدة، في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية.
وبصفته أقوى فصيل مسلح في البلاد، أكد «حزب الله» أنه لن يسلّم سلاحه في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، الذي أبقى قواته متمركزة في خمس تلال استراتيجية جنوبي لبنان، في انتهاك للاتفاق الذي نص على انسحابها الكامل من المناطق اللبنانية التي توغلت داخلها خلال الحرب.
ورغم أن الحكومة اللبنانية واصلت التأكيد على أنها ماضية قدمًا في مسألة نزع السلاح، فإنها وجدت نفسها أمام حرج شديد في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على البلاد من جهة، وتصلّب موقف «حزب الله» من جهة أخرى، لا سيما بعدما ألمح الحزب إلى أن نزع سلاحه قد يجرّ لبنان إلى حرب أهلية جديدة.