رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ميركل فى القاهرة زيارة تجاوزت مشكلتى التمويل الأجنبى والمهاجرين

8-3-2017 | 13:31


بقلم –  عبدالقادر شهيب

على عكس ما كان يأمل البعض نجحت زيارة المستشارة الألمانية، ميركل، للقاهرة نهاية الأسبوع الماضى، وتجاوزت المشكلة القديمة الخاصة بوقف نشاط بعض منظمات المجتمع المدنى الألمانية فى مصر، على إثر قضية التمويل الأجنبى، التى ضمت عاملين فى منظمات ألمانية، وكذلك مشكلة المهاجرين إلى دول أوربا، التى سعت المستشارة الألمانية إلى توطين أعداد منهم فى كل من مصر وتونس مقابل تقديم دعم مالى لهم للمساهمة فى تحمل تكاليف هذا التوطين.

ومثلما تفهمت المستشارة الألمانية لوجهة النظر المصرية الخاصة بالمهاجرين فقد تفهمت أيضا ما عرضته مصر بخصوص عمل المجتمع المدنى، سواء بمنظماته المصرية أو الأجنبية، ومنها الألمانية.

فقد أدركت المستشارة الألمانية ميركل أن حال المهاجرين فى مصر يختلف عن حالهم فى أية دولة أخرى، خاصة تركيا التى سبق أن أبرمت اتفاقا مع ألمانيا بتوطين المهاجرين السوريين بأوربا فى مخيمات بأراضيها.. فإن المهاجرين السوريين وغير السوريين بمصر لا يعيشون بمعزل عن مواطنيها بمخيمات خاصة بهم، كما هو الحال فى تركيا، وإنما يعيش هؤلاء المهاجرون، الذين يبلغ عددهم أكثر من خمسة ملايين مهاجر فى وسط المصريين غير منعزلين أو منفصلين عنهم، يأكلون ويشربون ويمارسون حياتهم مثلهم كالمصريين تماما، كما قال الرئيس السيسى.. ولذلك ليس مقبولا فكرة إقامة مخيمات بمصر للمهاجرين الموجودين فى ألمانيا يتم توطينهم فيها.. وبالتالى ليس متاحا إبرام اتفاق مصرى ألمانى على غرار ذلك الاتفاق، الذى أبرمته ألمانيا من قبل مع تركيا، بخصوص توطين المهاجرين السوريين فيها.

أما الاتفاق الآخر المشابه، الذى توصلت المستشارة الألمانية مع الرئيس التونسى السبسى لإبرامه مع تونس لتوطين عدد من المهاجرين الموجودين الآن فى ألمانيا، وقد تفهمت المستشارة الألمانية ذلك، رغم أنها تسعى بكل قوة الآن لإيجاد حل سريع لمشكلة اللاجئين العرب بصفة عامة، والسوريين بصفة خاصة، الموجودين فى ألمانيا، لأن هذه المشكلة تستثمر الآن انتخابيًا ضدها لمنعها من الاستمرار فى حكم ألمانيا لدورة رئاسية رابعة، خاصة بعد أن تعرضت ألمانيا لعدد من العمليات الإرهابية.. وساعد على هذا التفهم إبداء مصر استعدادها للمعاونة بكل قوة فى منع الهجرة غير الشرعية لأوربا بصفة عامة، وألمانيا بصفة خاصة، وتقبلها أية مساعدات تكنولوجية من ألمانيا فى هذا الصدد.. وهذا يمكن ترجمته بتفهم مصرى لمشكلة المستشارة ميركل والرغبة فى مساعدتها على تجاوز هذه المشكلة، ولكن ليس على حساب المصلحة المصرية، أو بما لا يضر بمصر.. ولأن المستشارة الألمانية أدركت جدية مصر فى مواجهة الإرهاب واجتثاثه من جذوره ليس فى مصر فقط، وإنما فى كل المنطقة العربية (سوريا وليبيا والعراق) فقد تفهمت الموقف المصرى تجاه موضوع المهاجرين.

وكذلك تفهمت المستشارة الألمانية وجهة النظر المصرية بخصوص موضوع المجتمع المدنى ومنظماته، رغم أن بعض الأطراف الألمانية وغير الألمانية عولت على أن يكون هذا الموضوع عائقا أكبر من مشكلة اللاجئين فى التوصل إلى تفاهم ما بين الرئيس السيسى والمستشارة الألمانية حتى لا تكلل بالنجاح زيارتها للقاهرة، التى شملت لقاء مع فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر د.الطيب والبابا تواضروس وزيارة لمنطقة الهرم وأبو الهول.

ولعلنا لاحظنا أن التصريحات الطيبة والإيجابية، التى أدلت بها المستشارة الألمانية عن مصر التى استبقت بها زيارتها للقاهرة، جاءت ردا على سؤال محدد حول مشكلة نشاط المجتمع المدنى المصرى وعمل منظماته الألمانية فى مصر.. ولعلنا لاحظنا أيضًا أن المستشارة الألمانية وهى تجيب عن هذا السؤال قالت بأن زيارتها للقاهرة تتسع لما هو أكبر من هذا الموضوع، نظرا لدورها الأساسى فى تحقيق الاستقرار فى محيطها الإقليمى ولما تقوم به لحل مشكلات وأزمات بلادها خاصة ليبيا، فضلا عن أنها تخوض حربا ضد الإرهاب.. فقد سبق زيارة المستشارة الألمانية بأسبوع زيارة قام بها وفد من البرلمانيين من بينهم رئيس اللجنة الاقتصادية فى البرلمان الألمانى والمجتمع المدنى الألمانى بدعوة من الهيئة القبطية الإنجيلية، وهى واحدة من أنشط الجمعيات الأهلية المصرية.. التقى هذا الوفد برئيس البرلمان د.على عبدالعال وكل من شيخ الأزهر د.أحمد الطيب والبابا تواضروس، وعدد من الكتاب والمفكرين والمثقفين والبرلمانيين ورجال الدين.. وقد شاركت فى لقاءين معهما.. وما سمعه أعضاء هذا الوفد شعبيا بخصوص المجتمع المدنى سمعته المستشارة الألمانية ميركل من الرئيس السيسى خلال اللقاء، الذى ضمهما سواء بشكل منفرد أو مع وفدى المفاوضات.

أولا: أن مصر تدرك أهمية المجتمع المدنى، وترى أنه لا ديمقراطية من دون مجتمع مدنى قوى ونشط وفعال.. ولكنها ترى أن المجتمع المدنى ليس بحالة العمل السياسى كما حاولت بعض الجهات توظيف منظمات للمجتمع المدنى المصرية فى أنشطة وأعمال سياسية.. وترى مصر أيضا أن منظمات المجتمع المدنى، مثل بقية مؤسسات الدولة يجب أن يخضع نشاطها للقانون وأن يلتزم نشطاؤها بالقانون، وهذا أمر يحدث فى كل أنحاء العالم، خاصة العالم الغربى، الذى استقرت الديمقراطية فيه.. ولذلك ترفض مصر أن تفتح أية منظمات مجتمع مدنى أجنبية مكاتب أو فروع لها داخل البلاد من دون موافقة السلطات المصرية المختصة، كما يقضى القانون الحالى للجمعيات الأهلية المعمول به فى مصر، والأهم كما يحدث فى كل بلاد العالم الغربى.. فلا يمكن أن تفتح أية منظمة مجتمع مدنى أجنبية مكتبا أو فرعا لها داخل أية دولة أوربية أو أمريكا من دون الحصول على ترخيص قانونى وموافقة السلطات المختصة فى هذا الشأن.

ثانيا: إذا كان المجتمع المدنى هو أحد مظاهر ومقومات الديمقراطية فإنه يتعين على منظماته أن تمارس نشاطها معتصمة بالقيم والمبادئ الديمقراطية أساسا.. أى أن تدار منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية ديمقراطيا وبشفافية.. فلا يتحكم فيها شخص أو عائلة، وأن يكون التمويل قانونىًا والاتفاق يتم بشفافية كاملة، وأن تخضع هذه المنظمات لرقابة الرأى العام قبل رقابة السلطة المختصة التى يخولها القانون ذلك أو الجهات الرقابية، التى تراقب إنفاق المال العام، باعتبار أن أموال هذه المنظمات ليست خاصة، بل عامة.. وتأسيسا على ذلك ليس مقبولا أن تتلقى أية منظمات مجتمع مدنى داخل مصر تمويلا أجنبيًا بشكل سرى ودون علم السلطة المختصة المخولة قانونا بمتابعة نشاط هذه المنظمات.. فهذا لا يحدث فى أية دولة أوربية أو أمريكا.. كل دولار تحصل عليه منظمة مجتمع مدنى يتم علنا وبعلم السلطات المختصة، وسبل إنفاقها ما حصلت عليه من تمويل أجنبى يتم جهرا وفى العلن وتحت عين السلطة المختصة أيضا.. ولذلك كان لا يمكن أن تقبل مصر ما حدث بعد 25 يناير 2011، حينما انهمر التمويل الأجنبى بغزارة على عدد محدود ومعلوم من منظمات المجتمع المدنى، وتم ذلك سرا ومن دون علم السلطة المختصة المخولة قانونا متابعة ذلك.. واتجه معظم هذا المال إلى تمويل أنشطة سياسية واضحة، كان فى مقدمتها تعزيز قدرات قوى وتيارات سياسية محددة، بعضها تمكن من الفوز فى أول انتخابات برلمانية مصرية تمت فى أعقاب 25 يناير 2011، بل وحصولها على نسبة كبيرة من المقاعد.

ثالثا: أن القاهرة لا ترفض أن تمارس منظمات المجتمع المدنى الأجنبية، سواء الأوربية أو الأمريكية، نشاطا لها داخل مصر، وأن تفتح لها مكاتب وفروعا داخل مصر، وأن تتعاون مع منظمات مجتمع مدنى مصرية، بل إن هناك العديد من هذه المنظمات الأجنبية- رغم قضية التمويل الأجنبى- ما زالت تعمل وتمارس نشاطها داخل مصر.. منها منظمات أمريكية، وأخرى إيطالية، وسويسرية، وبلجيكية، وبريطانية، ونمساوية، وفلندية، وفرنسية، ومغربية وإماراتية.. لكن القاهرة ترى ضرورة أن يتم ذلك بموافقة الدولة المصرية، أو كما يقضى قانون الجمعيات الأهلية المصرى، وكما يحدث ذلك فى العالم الغربى، وأن يخضع نشاطها لإشراف ومتابعة السلطات المسؤولة، وألا تتورط هذه المنظمات الأجنبية من قريب أو بعيد، بشكل مباشر أو غير مباشر، فى أنشطة وأعمال سياسية لها علاقة بأمور الحكم.

ولأن ما نطرحه بخصوص نشاط وأعمال المجتمع المدنى منطقى ولا يختلف عما هو معمول به داخل ألمانيا، فإن المستشارة ميركل ما كان لها أن ترفضه أو تتحفظ عليه.. ولذلك طرحت التفاوض حول بروتوكول مصرى ألمانى ينظم عمل وأنشطة منظمات المجتمع المدنى الألمانية داخل مصر.. وهذا أمر فى إطار ما طرحته القاهرة بخصوص هذا الموضوع مقبول مصريا.. بل إن مصر خاضت فى عام 2011 معركة مع واشنطن لتقبل بذلك، أى أن يخضع نشاط أية منظمات مجتمع مدنى تعمل فى مصر أولا لموافقة السلطات المصرية، وثانيا لإشراف السلطات المصرية المسئولة، وثالثا ألا يتم تمويل أية منظمة مجتمع مدنى مصرية أجنبيا من وراء ظهر الدولة المصرية، التى كانت تبغى واشنطن وقتها تقويض كيانها، وهى المعركة، التى قادتها باقتدار وبحس وطنى رفيع مستشارة الأمن القومى حاليا ووزيرة التعاون الدولى سابقا فايزة أو النجا.

وهكذا.. تجاوزت زيارة المستشارة ميركل العقبة، التى راهن عليها البعض لإفشالها أو على الأقل تعكير صفوها، مثلما تجاوزت أيضا عقبة سعى ميركل تهجير بعض المهاجرين السوريين لها فى مصر.. وبالتالى خابت ظنون من كانوا يأملون فى فشل هذه الزيارة، حتى لا تصب نتائجها لصالح مصر، التى عانت من سوء فهم الغرب (أوربا وأمريكا( لما قام به الشعب المصرى فى 30 يونيه 2013 للإطاحة بحكم الإخوان الفاشى المستبد، دفاعًا عن كيان دولته الوطنية وحماية هويته الوطنية من التشويه.